إياك والسقوط
حذارِ يا بغداد من السقوط وإلا سقط الشرق واهتزت دول المشرق والمغرب، وداست جحافل التتار الجدد وخوارج العصر حضارتنا وثقافتنا وعلمنا، وسُحقت الرقاب تحت حوافر التخلف والحقد.
يا بغداد لا تسمحى لقيثارة الحب التى عزفتها معزوفة الحضارة السومرية أول عازف فى التاريخ للحب والخير أن تمحوها نعيق البوم والغربان، وأناشيد الهوس وطبول حرب بلا أعداء.
لا تسمحى للحضارة البابلية والآشورية، أول خط فى الكتابة المسمارية فى التاريخ، أن يكتبوا قصيدة رثاء للعلم والفن، وقصيدة مديح للفوضى والتخلف.
يا حدائق بابل المعلقة فى رقبة الحسن والجمال، حذارِ أن يعشش القبح، ودمامة الرواد، ولعب الصبية الكبار وسط مروجك الغناء بجماجم المظلومين المطحونين، انفُضى عن كاهلك أدرانهم وأوساخهم وأعيدى الجمال إلى وجهك وصباحك، وأعيدى روادك الباحثين عن الجمال والحب ويعرفون كيف تكون براءة الأطفال.
يا مسلة حمورابى حاملة أقدم القوانين الإنسانية للخير والعدل والنماء، حذارِ أن يحل محلها قانون الغابة والعربدة والهمجية.
يا سيد الأنبياء إبراهيم، أول خطاك العراق، فكانت أرض الخير، تحولت إلى أرض الشر، أعد إليها خطواتك حتى يعود الخير ويُستعاد الأمن، وتنبت الأرض من جديد لقمة عيش للبسطاء والمحتاجين.
يا إمامنا الشافعى حفيد النبى، الهارب إلى ديارك، ارجع إليها علَّك تعدل المائل منهم، فربما يعرفون أن الرأى يحتمل الصواب والخطأ، والحقيقة المطلقة لله، وليس من طريق لله سوى الحب والسلام والخير، هل ستغلبُ حمقهم هذه المرة أم أنك على عهدك لا جدال معهم.
يا حلاج العراق، يا مصلوباً من المسلمين فى حب الله، أبعدوك بالسيف عن وحدتك مع الله، لم يفهموا «أنا الله» أعد إليهم أن الحب مع الله لله، والقرب مع الله سرٌ بين العبد وربه، والمناجاة مع الله لا يعرفها إلا خالقها والهمس مع الذات درجة من القرب ترضاها الذات.
يا عترة النبى وأهل بيته الأطهار الأشراف، صدى عن العراق غزو الهمج، قولوا لجدكم النبى إن من أبنائك من يقتل الناس غدراً باسمك، ومن يُكفّر من آمن بك، ويتقوّلون عليك ما لم تقله، فأنت يا سيدى رزقك لم يكن تحت ظل رمحك، قولوا له إن الخلافة بالرضا، وإخضاع القلوب لله بالعقل وليس بالقهر.
يا أم الخير رابعة العدوية، يا عاشقة الحب الإلهى، صبر بغداد قد نفد، مُدى له حبال صبرك، وحلّ الكره محل الحب فامددى لهم بقايا حبك تملأ أركان قلوبهم. أعيدى يا رابعة العشق الإلهى للنفوس وعلّمى أحفادك شوق الهوى وشوق القرب.
يا نخل العراق الشامخ، أين شموخك وكبرياؤك وعلوّك، ورفعة رأسك، لم يعد لك ثمر ولا ظل، انزع عنك الاستكانة وشد قامتك وهمّتك، فهما سلاح أبنائك ضد الجراد القادم. أيها العرب لا تسقطوا بغداد، لو سقطت سقطنا جميعاً، اعدلوا نخلتها المائلة لتثمر من جديد، وامسحوا عن مسلة حمورابى قوانين الغدر والغباء، أعيدوا الشافعى إلى أرضه وقسوة الحجاج ليحصد الرؤوس التى أينعت وتستحق حصادها، أليس الحجاج سوياً لهؤلاء..؟ لا يُغرنكم هتاف الله أكبر، هتفوا حين نحروا رقاب العباد كما نحروا أضاحى الأعياد، ساعدوا العراق وشدوا أزره فالثور الأبيض ذُبح يوم ذُبح الثور الأحمر، يا عراق لك الله إذا تخلى عنك العرب.