لا يمكن لدولتنا أن تصبح صاعدة ما لم نؤكد السيادة الوطنية على الاقتصاد القومى ونهتم بالداخل قبل أى شىء ونخلق سوقاً محلية ناجحة.
كان هذا ما أدركه محمد على وفعله فى مصر كأول بلد على أطراف القوى الرأسمالية، يحاول الصعود (قبل اليابان) لكن بريطانيا قضت تماماً على أمل مصر فى الصعود بالضغوط والتدخل ثم بالاحتلال المباشر.
وعاود مصر الأمل بحلول ثورة 1919 ونمو أهداف الديمقراطية والاستقلال الوطنى والاقتصادى.
ويرى المفكر الاقتصادى سمير أمين أن الصعود هو تحقيق نمو مستدام فى الإنتاج الصناعى مع اطراد قدرة هذه الصناعات على المنافسة عالمياً، ويستبعد الصناعات الاستخراجية كالمعادن وغيرها من التعريف؛ لأنها تُحدث نمواً متسارعاً دون أن يكون نتيجة لأنشطة إنتاجية كما هو الحاصل فى بلدان الخليج العربى وفنزويلا والجابون وغيرها.
ثم يشترط النظر إلى القدرة التنافسية للأنشطة الإنتاجية فى الاقتصاد كمنظومة فى مجملها وليس فقط وحدة إنتاج معينة كتلك التى قد تكون مرتبطة بالشركات متعددة القومية أو حتى مستقلة، أى أنه لا بد أن توجد منظومة إنتاجية متماسكة، ومن الضرورى أن تتضمن إنتاج الغذاء أيضاً لكى تحظى الدولة بلقب الصاعدة.
القدرة التنافسية تعتمد على عوامل كتعليم وتدريب العمال على جميع مستوياتهم وكفاءة المؤسسات التى تدير الاقتصاد السياسى القومى (السياسة المالية، القوانين المنظمة للأعمال، وقانون العمل الائتمانى، الخدمات الاجتماعية... إلخ).
ولتحقيق الاستقلال الاقتصادى، تَلزم سياسات تحمى الأمن الغذائى والسيادة على الموارد الطبيعية، وقد كان لافتاً تصريح الرئيس السيسى بمنع تصدير المواد الأولية المستخرجة، ولعل القصد هو تصنيع هذه المواد وليس التفاوض من جديد على أسعارها البخسة.
الصعود هو مشروع سياسى كلى وليس تنمية للصادرات، ولا حتى مشروع اقتصادى محض.. إنه خطوات متتابعة قد تؤدى لنجاحات متتابعة أو لانسداد بعد أول خطوة حسب تعامله مع حل الصراع الاجتماعى، سواء كان طبقياً أم سياسياً، ومدى تعزيزه للسيادة الوطنية.
ويتحدد مقياس نجاح الصعود بالحد من الوسائل التى تتمكن من خلالها المراكز الرأسمالية المسيطرة من إدامة سيطرتها.
ويحدد سمير أمين الوسائل المذكورة فى تحكم القوى المسيطرة فى مجالات: السيادة على التطوير التكنولوجى، القدرة على الوصول إلى الموارد الطبيعية، الهيمنة على المنظومة المالية العالمية، الهيمنة على توزيع المعلومات، احتكار أسلحة الدمار الشامل.
ويستخدم الثالوث الإمبريالى (أمريكا وأوروبا واليابان) تلك الوسائل للحفاظ على أوضاعه المسيطرة ومنع الدول الصاعدة من تحدى تلك السيطرة.
لقد فشلت الدول الثلاث (تركيا وإيران مصر) أن تكون دولاً صاعدة رغم محاولاتها لتعارضها مع القوى الإمبريالية وافتقارها القدرة على تحدى هذه القوى.
ويرى «أمين» أنه رغم محاولات «عبدالناصر» فى الصعود، فإنه استنفد طاقته خلال 10 سنوات (1955-1965) نتيجة قضائه على الحياة السياسية وإلغاء الديمقراطية وحرمان الجماهير من تنظيم نفسها، مما دعا الإسلام السياسى، ممثلاً فى جماعة الإخوان التى دعمتها بريطانيا، لتكون رأس رمح بعد ذلك.
الديمقراطية تعنى التمتع بحق وحرية التعبير واحترام التعددية والمشروعات السياسية وحق التنظيم السياسى وليست مجرد انتخابات، وبقضاء «عبدالناصر» على تلك الحقوق حدثت الكارثة والهبوط، وتنازلات تتعلق بالسيادة وانتهت بتفكيك «السادات» و«مبارك» للمنظومة الإنتاجية.