نعرف عن شهر رمضان فى القرآن أنه شهر نزل فيه القرآن، وأوجب الله على المسلمين المستطيعين صيامه. ولكن ماذا نعرف عن شهر رمضان فى تاريخ العرب؟ أتوقع أن يكون جواب الأكثرين أنه شهر عربى أو قمرى. ولأن أنابيشنا الفقهية تهتم بالخبايا العلمية لاستخراج كنوز الفقه التى تساعد من يعرفها على مقاومة أوصياء الدين الذين تركوا وظيفة العلم والثقافة والنصيحة التى يحتاجها كل واحد حتى أهل العلم والنصيحة، فنسى كثير منهم نفسه وامتهن وظيفة الجلاد الدينى، وكأنه وكيل عن الله يزعم أن الحق المطلق عنده، وأنه أعلم أهل الأرض، مع أن الله يقول: «نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ» (يوسف: 7).
لذلك فإننا نرتقى بما يعرفه الناس عن شهر رمضان فى تاريخ العرب وأنه شهر عربى أو قمرى، إلى معلومة ثانية وهى أن شهر رمضان كان معروفاً عند العرب باسمه هذا قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم وقبل مولده بمئات السنين، لأن معنى أنه شهر عربى أن العرب قبل الإسلام هم من وضعوا اسمه، والإسلام عندما نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ترك الاسم كما هو.
مثل اسم «مكة» واسم «مصر»، حتى اسم «المدينة المنورة» الناس هم الذين غيروا اسمها من «يثرب» إلى «المدينة» وليس الإسلام. الإسلام لا يتدخل فى إرادة الإنسان، حتى يتحمل الإنسان المسئولية ويحاسب يوم القيامة عن عمله وقوله وصمته. الإسلام يقدم للإنسان النصيحة والتذكرة.
وبالطبع فإننا نتوقع أن يفتئت أحد من أوصياء الدين فيقول: كيف يذكر الرسول بلداً بالاسم ونقوم نحن بتغييره؟ والجواب أن هذا كلام مرسل مبنى على العاطفة التى تخالف مصالح الناس التى اعتبرها الإسلام، وقد حدث بالفعل فى تاريخ المسلمين تغيير لبعض تلك الأسماء ومن ذلك ما نعرفه اليوم من أسماء مواقيت الإحرام، فأهل مصر يحرمون من «رابغ»، وأهل المدينة يحرمون من «أبيار على». وهذه الأسماء لم يسمها النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث المواقيت الذى أخرجه البخارى ومسلم عن ابن عباس قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة: ذا الحليفة (وقمنا بتغيير اسمها إلى أبيار على)، ووقت لأهل الشام ومصر الجحفة (وغيرنا اسمها إلى رابغ). وأكثر من هذا فإن عاصمة الإدارة والحكم أيام النبى صلى الله عليه وسلم كانت «المدينة المنورة» واستمرت فى عهد أبى بكر وعمر وعثمان، إلى عهد الإمام على سنة 36هـ الذى نقلها إلى «الكوفة» بالعراق.
كل هذا يدل على أن الإنسان فى الدنيا هو سيد قراره حتى يكون فى الآخرة حاصداً أو قاطفاً ثمرة قراره. وسنثبت فى هذه الأنبوشة أن العرب قبل الإسلام هم من وضعوا اسم شهر رمضان وأسماء كل الشهور القمرية بعد قراءتهم لدورة القمر فى الطبيعة. قال تعالى: «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» (يس: 38-40).
انتبه الإنسان قديماً لدورة الشمس ودورة القمر، فاختار العرب دورة القمر وجعلوا منها السنة الهلالية نسبة إلى ظهور الهلال، أو القمرية نسبة إلى اختفاء القمر. ولهذا سميت بالسنة القمرية أو الهلالية؛ لأنهم كانوا يهتدون بالقمر فى نشاطهم وسياحتهم. واختار اليونانيون دورة الشمس وجعلوا منها السنة الشمسية التى تزيد 11 يوماً على السنة القمرية؛ ولهذا تسمى بالسنة الإفرنجية التى استعملها المسيحيون فى توقيت ميلاد المسيح عليه السلام، ولهذا تسمى بالسنة الميلادية.
وفى سر تسمية العرب للشهور القمرية رأيت ابن كثير فى «تفسيره» يذكر عن الشيخ علم الدين السخاوى أنه ألف «جزءاً» (يعنى كتيباً صغيراً) سماه «المشهور فى أسماء الأيام والشهور». وقال:
(1) إن أول شهر فى السنة القمرية اسمه: «المحرم»، لأن العرب اتفقت فيما بينها على تحريم القتال فيه. والجمع: محرمات ومحارم ومحاريم.
(2) الشهر الثانى اسمه «صفر»؛ لأنهم يخرجون فيه للقتال فتكون بيوتهم خالية صفراً. والجمع: أصفار.
(3) الشهر الثالث اسمه «ربيع أول»؛ لأنهم كانوا يرتبعون يعنى يجلسون أمام بيوتهم مثل المقاهى فى العصر الحاضر. والجمع: أربعاء وأربعة.
(4) الشهر الرابع اسمه «ربيع الآخر»، وهو مثل ربيع الأول.
(5) الشهر الخامس اسمه «جمادى الأولى»؛ لأن أول تسميته كان فى البرد الشديد، وقد جمدت الماء. والجمع: جماديات.
(6) الشهر السادس «جمادى الآخرة»، وهو مثل جمادى الأولى.
(7) الشهر السابع اسمه «رجب»؛ لأنهم كانوا يعظمونه، والترجيب يعنى التعظيم. والجمع أرجاب ورجاب ورجبات.
(8) الشهر الثامن اسمه «شعبان»؛ لتفرقهم وتشعبهم بسبب الغارات. والجمع: شعابين وشعبانات.
(9) الشهر التاسع اسمه «رمضان»؛ لأن أول تسميته كان فى شدة الحر، حتى صارت الرمال لا يطيق أحد المشى عليها، فيقولون إنها رمضاء. والجمع: رمضانات ورماضين وأرمضة.
(10) الشهر العاشر اسمه «شوال»؛ لأن الإبل أو الجمال تتكاثر فيه، من قولهم شالت الإبل بأذنابها طلباً للتكاثر. والجمع: شواويل وشواول وشوالات.
(11) الشهر الحادى عشر اسمه «ذو القعدة» (بفتح القاف) ويجوز كسرها؛ لقعودهم عن القتال والسفر فيه. والجمع: ذوات القعدة.
(12) الشهر الثانى عشر اسمه «ذوالحجة» (بكسر الحاء وفتحها)؛ لإقامتهم موسم الحج فيه؛ لكون الحج قد شرع من أيام سيدنا إبراهيم الذى أمره الله أن يؤذن بالحج. والجمع: ذوات الحجة.
أرجو أن يحفظ الناس أسماء الشهور العربية؛ لارتباط الصوم والحج بها. وصيام الكفارات أيضاً يرتبط بها مثل كفارة القتل الخطأ أو الظهار التى توجب صيام شهرين متتابعين؛ لعدم وجود الرقبة. والشهر القمرى قد يكون تسعة وعشرين يوماً، فقد أخرج مسلم عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام فى الثالثة. والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعنى تمام الثلاثين».
وإلى لقاء جديد غداً بإذن الله تعالى مع أنبوشة فقهية أخرى.