انقلب أبوالعباس السفاح -وريث إبراهيم الإمام- على العلويين منذ اللحظة الأولى لتوليه الأمر، إذ رأى أن الفرع العباسى هو الأكثر تعبيراً عن بيت النبوة، ولم يتحدث عن حق لـ«على» ولا لأبنائه فى الحكم، إذ سكت عن ذلك وركز حديثه على ظلم بنى أمية للعباد، وخطب فى أهل الكوفة قائلاً، كما يحكى «ابن كثير»: «فتح الله علينا ذلك منة ومنحة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فلما قبضه إليه قام بذلك الأمر بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا خماصاً منها، ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها لأنفسهم وتداولوها فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حيناً، فلما آسفونا انتقمنا منهم، فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا وتولى أمرنا والقيام بنصرنا، ليمن بنا على الذين استُضعفوا فى الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا. وإنى لأرجو ألا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يا أهل الكوفة، أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم فى أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح الهائج والثائر المبير».
هذا التحول وإنكار حق الفرع العلوى من آل البيت فى الخلافة لم يرضَ أبا سلمة الخلال إذ كان من أشد المتحمسين للعلويين، لكن «السفاح» لم يمهله لكى يزعج تربعه على منصة السلطة، فأشار بقتله فقُتِل واتهم فيه أحد الخوارج. قتل «أبوسلمة» رغم أنه كان واحداً من أخطر دعاة الدولة الجديدة، وواحداً من الأعمدة التى ارتكزت عليها، ليس ذلك وفقط، بل امتدت يد القتل إلى الشخصية الأخطر، شخصية «أبى مسلم الخراسانى»، فقد أوصى السفاح بالخلافة من بعده لأخيه «أبو جعفر المنصور»، فحدث أن زار الأخير أبا مسلم فى خراسان فعاد من الزيارة يقول لأخيه: «لست بخليفة ما دام أبومسلم حياً حتى تقتله»؛ لما رأى من طاعة العساكر له، فقال له السفاح: «اكتمها»، فسكت. ثم مات «السفاح» وكان «أبومسلم» بالحج، فلما علم بالخبر أرسل إلى أبى جعفر المنصور يعزيه فى أخيه، ولم يهنئه بالخلافة، ولا رجع إليه، فغضب «المنصور» من ذلك مع ما كان قد أضمر له من السوء. فلما أحس «الخراسانى» من «المنصور» الغدر قرر أن يعتصم بمركز قوته وشيعته فى خراسان، ورفض الذهاب إلى «المنصور»، وكتب إليه يقول: «إنه لم يبق لأمير المؤمنين عدو إلا مكنه الله منه، وقد كنا نروى عن ملوك آل ساسان أن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء، فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت، حريون بالسمع والطاعة، غير أنها من بعيد حيث يقارنها السلامة، فإن أرضاك ذلك فأنا كأحسن عبيدك، وإن أبيت إلا أن تعطى نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت من عهدك، ضناً بنفسى عن مقامات الذل والإهانة».
كتب «المنصور» إلى «أبى مسلم» بعد أن قرأ رسالته رداً هيناً ليناً يشيد فيه بمكانته عنده، وأرسل إليه «جرير البجلى» برسالة يرغبه فيها بالعودة إلى الطاعة، وأشار عليه فى حالة رفض «أبى مسلم» لذلك أن يهدده بحرب يخوضها «المنصور» ضده لن يتوقف فيها إلا إذا قضى أحدهما على الآخر، فلما حدثه «جرير» باللين رفض «أبومسلم» العودة، فقال له القول الآخر فانكسر وقرر الذهاب إلى «المنصور» والدخول فى الطاعة، وشاور فى ذلك أميراً يقال له «نيزك»، فأشار عليه بعدم الذهاب لكن «الخراسانى» أصر، فنصحه الأول قائلاً: «احفظ عنى واحدة»، قال: «وما هى؟»، قال: «إذا دخلت عليه فاقتله ثم بايع من شئت بالخلافة، فإن الناس لا يخالفونك». سار «أبومسلم» إلى حتفه بقدميه، فدخل دار الخلافة ثم دخل على الخليفة وهو يبتسم، فلما وقف بين يديه جعل «المنصور» يعاتبه فى الذى صنع واحدة واحدة، فيعتذر عن ذلك كله، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أرجو أن تكون نفسك قد طابت علىَّ، فقال «المنصور»: «أما والله ما زادنى هذا إلا غيظاً عليك»، ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى، فخرج أربعة أمراء كانوا يختبئون وينتظرون (إشارة) المنصور حتى يجهزوا على أبى مسلم، فضربوه بالسيوف حتى قتلوه ولفوه فى عباءة، ثم أمر بإلقائه فى دجله، وكان آخر العهد به، وكان مقتله فى يوم الأربعاء لأربع بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة، كما يشير «ابن كثير».