إذا تحدثت عن مجالك الحيوى كوطنى مصرى فبالتأكيد ستنظر تجاه شطرك الشرقى، غزة فلسطين، ومن ثم حديثك عنها ليس حديث جغرافيا فحسب، بل تاريخ يمتد آلاف السنين، لا تنفع معه الذكرى أو يحوطه النسيان فهو حق وحقيقة لا يمكن الفرار منها أو دفن رأسك فى الرمال، حتى لو كان المسيطر عليها ظلامياً أو متعاطفاً مع الظلامى، فالأمر هنا يتجاوز الخلاف إلى الاتفاق على أن هناك قطعة من أرض العرب يسكنها بشر يتحدثون مثلنا ويدينون بالإسلام، تدك منازلهم صباح مساء على يد عدو اتفقنا عليه جميعاً شعوباً واختلفت عليه أنظمة فى السر وتشابهت فى العلن، فالعداوة خلقت لها مساحات أخرى حتى فى الأوطان نفسها من الفرات حتى المحيط، ومن ثم تراجع العدو الحقيقى وانشغلنا بأعداء جدد، بالقطع بعضهم يستحق العداوة أو خلقها تنفيذاً لأجندة قادمة عبر الأطلنطى للتفتيت والتقسيم، إذن نحن أمام أخطر مشهد، لم يسأل أحد نفسه مرة ماذا سنفعل إن حدث؟ ونحن نشاطر هؤلاء القابعين فى غزة البغضاء لأسباب كثيرة، بعضها داخلى وبعضها الآخر مرتبط بمخاطر ندفع ثمنها من أرواح المصريين وأيضا أمنهم، المعادلة بالطبع صعبة لتقييم الأمور كما هى دون تصنيف لفرقة أو نظام حكم، أى أن تتعامل مع الأمر على أن جوارنا الفلسطينى لأشقاء وليس لفصيل أو تعبير عن مشروع ظلامى، جوار يسكنه بشر يحتاجون منا أبسط الأشياء، التعاطف ومن ثم المساندة!!
وهذه المساندة رغم الجهود غير المعلنة لمصر كانت تحتاج من القائد أن يتحدث إلى الناس، إلى العرب، لأنه رئيس مصر، فالأمر يتطلب إنارة وإثارة ثم ترجمة لمشاعر مصرية خالصة لصالح ناس غزة وناس غزة فقط، إنها المسئولية، إنها مصر، السيسى كان لا بد له أن يخرج للجماهير العربية بخطاب شديد اللهجة تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، بجانب الجهود الحثيثة من الأجهزة المصرية، فتأخر رد الفعل دفع المزايدين والظلاميين أن ينهشوا فى المصريين والسيسى، مستخدمين تعبير «مسافة السكة» للسخرية من خيارات الشعب، نعلم أن العقدة التى خلقها الإخوان أفقدتنا البوصلة تجاه غزة، لكن قضايا الشعوب لا تموت، فهى باقية راسخة حتى حصاد النتائج مهما كانت التضحيات أو الإحباطات أو الملمات، لا ينبغى لنا أن ننظر نظرة مؤقتة إلى غزة، فالنظرة الدائمة إليها حماية من شرور وأخطار، وللسيسى الدرس، فالقائد المصرى لا ينظر إلى خارطة مصر فحسب، بل تشمل رؤيته منطقة بأكملها، فهكذا تصنع الأدوار وتخلق الزعامات، فالتأثير المصرى هو مظلة عربية، سواء فى الجوار الأفريقى أو الآسيوى، إنها مصر لا تحدها حدود ولا تنال منها تصورات أو مؤامرات، مصر تحتاج إلى خشونة الحق ووضوح الرؤية وشمول الهدف والإيمان بالدور، السيسى أمام اختبار حقيقى بدايات التعامل معه لم تكن مبشرة، ومن ثم ننتظر صوتاً عالياً دون ضجيج، صوتاً عربياً خالصاً لا يفرق بين أحد من عربه، صوت التعبير عن دماء مصرية فقدناها لحمايتنا وحماية فلسطين، دماء لم تجف على أرض سيناء وسفكها عدو لا يرحم سوى الأقوياء، يا سيسى نظرة جديدة إلى غزة، والمجد دائماً للحق، وليسقط من تركوا لنا الكراهية من بحار ظلامهم!