سكان القبور.. أحياء بدرجة أموات
مكان يتسع للأموات والأحياء معًا، يستيقظ بعضهم على منظر الشواهد الصماء، البعض ينام خائفًا من اللصوص الذين يطرقون الأبواب ليلًا فلا تسمع سوى صمت الموتى وصراخ أقاربهم ولا تجد إلا رائحة العظام بعد تحللها، ابتسامة الأطفال اختفت لتحل محلها هموم عميقة أكبر من أعمارهم.
الموت قبل الحياة هو مصير سكان القبور، "حملة مين بيحب مصر" الذي قرر مؤسسها الحسين حسان، الوقوف على احتياجات سكان المقابر، وتقديم الخدمات المتاحة.
وكانت دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كشفت أن عدد سكان المقابر في القاهرة الكبرى يتعدى مليون ونصف المليون نسمة بين أطفال وشباب وكبار في السن لم يجدوا سوى الأموات لكي يزاحموهم في قبورهم مع ارتفاع أسعار الوحدات السكنية.
احتياجات ومطالب لسكان القبور لم تكن وليده اللحظة، بل زادت أيضًا مع نزوح سكان العشوئيات، "الزيارة أتت لأن أزمة سكان القبور بدأت تتفاقم إلى أن وصلت لوضعها الراهن بكل ما تحمله من مخاطر على استقرار المجتمع"، قالها الحسين حسان، مؤسس الحملة، مشيرًا إلى أن حل أزمة سكان المقابر يكون في مقدمة المشكلات الضرورية التي يجب حلها فورًا.
ويضيف "قضايا العشوائيات وسكان القبور تحتاج إلى تكاتف جميع شرائح المجتمع مع الحكومة، فضلًا عن مشاركة جادة وفعالة بآليات تنفيذ من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني".
مضيفًا "حسان"، أن دول عديدة استطاعت من خلال تكاتف جميع شرائحها القضاء على العشوائيات نهائيًا، وقال "الإمارات والسعودية وبعض الدول الإفريقية على استعداد أن يساعدونا على تقليص وسد احتياجات سكان القبور لكن لن نجبرهم أن يحلون مشكله مليون ونصف نسمة".
"لم تعد المقابر مكانًا للموتى فقط بل أصبحت مكانًا للأحياء بدرجة أموات لأنهم يعيشون حياة ليست أدمية"، قالها الدكتور حمدي عرفة، خبير المحليات ورئيس لجنة التنمية المحلية بالحملة، موضحًا أن تمركز سكان المقابر في البساتين والإمام الشافعي والتونسي والغفير وباب الوزير والإمام الليثي وجبانات عين شمس ومدينة نصر ومصرالجديدة ، مشيرًا إلى أنهم يتخذون الأموات كمصدر للدخل المادي من خلال عملهم في صناعة الرخام الذي يستخدم في بناء القبر، كما يقوم بعضهم بالعمل على ترتيل الآيات القرآنية على القبور نظير أجر مادي زهيد من عائلة المتوفى.
"سكان القبور يمثلون ثلث الشعب" هكذًا عبر "عرفة" عن أنين قطاع كبير من المواطنين لا يشعر بهم أحدًا، مطالبًا بإعادة التأهيل الصحي والنفسي والفكري والحضاري لسكان القبور والعشوائيات.