حكايات السياح الألمان من فوق ظهر الباخرة: نبحث عن مصر الحقيقية
على سطح الباخرة انتشروا، فريق الشباب الصغار راح يقفز فى حمام السباحة باستمتاع ظاهر، بينما تجمع من هم أكبر قليلاً على المقاعد الكثيرة يقرأون أو يتجاذبون أطراف الحديث، ينصرف فريق ثالث إلى متابعة سير الباخرة فى النيل ليقوم بالتقاط الصور بكاميرته الخاصة، فى حين ينشغل فريق رابع -وهو الأكبر- فى الرد على تحيات أهالى القرى الذين يسكنون ضفاف النهر، ويلوحون للبواخر العابرة، فيلوح لهم بدوره، راسماً على وجهه ابتسامة لا تفتر أبداً.[Quote_1]
32 سائحاً ألمانياً ما بين سيدات ورجال وفتيات وشبان، اختاروا جميعهم أن يقطعوا المسافة بين أسوان والقاهرة على متن أول باخرة سياحية تفك الحظر عن الرحلات المتوقفة لما يقرب من 15 سنة، عقب حادث إطلاق النار بمعبد حتشبسوت فى مدينة الأقصر، وهو الحادث الذى راح ضحيته عدد من السائحين الألمان، وأصيب عدد آخر، إلا أن ذلك لم يمنع مواطنيهم من أن يشاركوا فى تلك الرحلة.
سوزانا واحدة منهم، جاءت وعائلتها الكبيرة من مدينة ريجنسبورج بألمانيا حيث يسكنون، تروى قصة انضمامها إلى الرحلة وهى تضحك: «وجدت أمى على الفيس بوك تقول لابن أختى إنها حجزت له معها فى رحلة نيلية يزور خلالها الآثار الفرعونية، فشعرت بالغيرة، لكنها فاجأتنى عندما قالت لى إنها حجزت للعائلة كلها على نفس الرحلة». كانت العائلة بالفعل على نفس الرحلة، سوزانا وزوجها وبناتها الثلاث ووالدتها وابن شقيقتها. هى ليست الرحلة الأولى لسوزانا فى مصر، سبقتها رحلة أخرى قامت بها لمدينة الغردقة، غير أنها لم تحبها: «وجدت نفسى فى مكان غريب مملوء بالأجانب، ولم أجد مصر التى قطعت تلك المسافة من أجل أن أشاهدها».[Quote_2]
وجدت سوزانا ضالتها هذه المرة فى الرحلة التى قدمتها لها والدتها، هى الأخرى زارت مصر من قبل سبع مرات ووقعت فى غرامها، ومن ثم راحت تفتش عن الجديد فى كل رحلة حتى توصلت إلى عرض الرحلة النيلية مع زيارة الأماكن الأثرية فحجزت للعائلة كلها. لا تخفى «سوزانا» سعادتها بوجودها فى مصر وسط المصريين الذين تشاهدهم للمرة الأولى عن قرب، وتشاهد الفقر الذى يبدو على عدد كبير منهم، وتعلق على دوريات الشرطة التى تصحبهم داخل وخارج الباخرة قائلة: «كنت أتمنى لو وفرت الدولة تلك النقود التى تنفقها على تأميننا، وأعطتها لهؤلاء الناس حتى يحسنوا من أوضاعهم، أو على الأقل جمعت كل المخلفات البلاستيكية الموجودة بكثرة رهيبة فى الشوارع قبل أن تصيب الناس بالأمراض».
أما «بيتر تونى» فقد شارك فى الرحلة مع زوجته بدافع العمل فى المقام الأول، إذ إنه يعمل صحفياً فى مجلة ألمانية مهتمة بأخبار السفن والبواخر، وسبق أن زار مصر قبل أكثر من عشرين عاماً فى رحلة وصلت إلى الإسكندرية عبر البحر، ثم انتقل بالأتوبيس إلى القاهرة، ومنها إلى بورسعيد فشرم الشيخ فالغردقة. ورغم ذلك فرحلته عبر النيل مختلفة للغاية: «فى هذه الرحلة يمكننا أن نشاهد الناس وهى تلوح لنا من بعيد، تشعر بألفة نحوهم، كما تشعر بصفاء غريب»، ولاقترابه من الناس فى رحلته يتمنى لو استطاعت الحكومة والرئيس الجديدان أن يغيروا من طابع الحياة فى مصر، فيحصل الناس على علاج وتعليم وطعام.[Quote_3]
عكسه تماماً جاءت «كارين» من النمسا إلى مصر وحدها تاركة زوجها وابنتها وحفيدا يبلغ من عمره 13 سنة، جاءت وفى نيتها أن تستمتع بالرحلة بعد أن قرأت عنها على شبكة الإنترنت: «قدرت أنها ستكون رحلة ممتعة عبر النيل». بالنسبة لها هى الزيارة الرابعة لمصر بعد ثلاث أخريات للأقصر وأسوان والغردقة، لكن الأخيرة بالنسبة لها كانت فرصة لأن تخلو بنفسها بعيداً عن الضجيج: «كنت أود هذا العام أن أقضى إجازتى فى هدوء، وراقنى أن أجد الهدوء هنا»، وهى تقول إنها لم تستمع لأصدقائها الذين حذروها من زيارة مصر فى هذا التوقيت، خاصة بعد أن وصل الإسلاميون إلى الحكم، فهى ترى أن مخاوف أصدقائها تتلخص فى خوفهم من الإسلام، أما هى فتؤمن بضرورة التعايش مع أصحاب الديانات الأخرى، ومحاولة فهمهم والاقتراب منهم، لذلك فقد جاءت إلى مصر.
كارين التى ترى المصريين شعبا ودودا ولطيفا، تبدى تعجباً من وجود الشرطة طوال الوقت: «لا أحب ذلك، وأعتقد لو ظهر أحد من وسط الزراعات وأطلق علينا الرصاص، فلن تستطيع الشرطة أن تفعل شيئاً، إذ إن تلك الأمور تجرى عادة بسرعة كبيرة».
نفس الشعور يشاركها فيه ميشيل الذى اختار أن يقضى عطلته بصحبة زوجته التى دلته على الرحلة من خلال علاقتها بشركة السياحة، ورغم أنه زار مصر خمس مرات من قبل، فإنه أصر هذا العام أن يزورها للمرة السادسة، خوفاً من ألا يستطيع أن يعاود الزيارة مرة أخرى: «ربما لا نتمكن أنا وزوجتى من الحضور مرة أخرى، فوصول الإسلاميين فى مصر إلى الحكم، قد يعنى التضييق على السياحة ومنع السائحين من القدوم إلى هنا»، لذلك وقف أمام رغبة زوجته فى تمضية العطلة فى مكان آخر، وقال لها إنه لن يسافر إلا إلى مصر.[Image_2]
ميشيل لا يعتقد أن وجود الشرطة حوله بكثافة يسبب له شعوراً بالأمان، على العكس تماماً، يشعره أن هناك شيئاً غير طبيعى يجرى فى مصر، وإلا لماذا كل هذا الحشد، وكل تلك الأسلحة فى أيدى الضباط والجنود؟ وفى نفس الوقت يملك اعتقاداً أن الشرطة لا تدفع ضرراً: «من السهل جداً أن يظهر أحدهم هناك ويطلق علينا النار، ويهرب دون أن تتمكن الشرطة من اللحاق به»، هكذا يعتقد ميشيل.
«ويلى بوم» كانت له رؤية مختلفة للغاية، فهو لا ينزعج من وجود الشرطة على الإطلاق، صحيح أنه لا يحب أن يرى الأسلحة حوله طول الوقت، ولكنه يعتقد أنها مهمة لحماية السياح، وهو يقول إنه جاء إلى مصر من قبل فى سبعينات القرن الماضى، فلم تكن هناك شرطة تحميه، وعندما أحيل إلى التقاعد من عمله مدرساً فى العام الماضى، قرر أن يدخر جزءا من راتبه للسفر مع زوجته حول العالم، فزار الصين وأمريكا ثم مصر، ويعد نفسه لزيارة إسبانيا فى أكتوبر المقبل، وهو يقول إنه استمتع بالرحلة كثيراً، سواء عبر النيل أو من خلال الزيارات للأماكن الأثرية: «كل شىء هنا ساحر وجميل، فقط يبقى أن تعمل الحكومة المصرية الجديدة من أجل توفير العلاج والتعليم لكل الناس فى مصر، لأنها أبسط حقوقهم».[Image_3]