عشت زمنا مرافقا لفضيلة الشيخ الجليل والعالم العلامة محمد متولى الشعراوى، وقد أتاحت لى تلك الفترة فى مرافقته أثناء رحلة علاجه فى لندن فى ربيع عام 1988 أن أنهال عليه بكل أسئلتى فى الحياة والدين طوال فترة الـ93 يوماً التى شرفت فيها بتلك الرفقة الرائعة.
لم أرَ الشيخ الجليل وهو يؤم الصلاة فى لندن سواء كان ذلك فى منزل أو فندق أو حديقة، يسأل أحداً لماذا صليت أو لماذا لم تصلِّ.
كان رفيقاً، سمحاً، ودوداً، كريماً، يتفهم الناس ولا يحاكمهم، يخدم ضيوفه ولا يتعالى عليهم، يعطى المحتاج وينجد الملهوف قبل أن يطلب حتى يقيه ذل السؤال.
وتعلمت من المتابعة الدقيقة لشروح الشيخ مسألة فى يقينى أنها بالغة الأهمية وهى مسألة كيفية التعامل مع الحلال والحرام.
كان الشيخ يقول دائماً: «الله وحده هو صاحب السلطة المنفردة المطلقة فى تحديد ما هو محرم وما هو حلال».
وكان يشدد على أن: «من يتدخل من البشر فى سلطة الله المطلقة فى التحليل والتحريم، هو متأله على الله، أى يستلب دور الخالق، وهو أمر يدل على ضعف إيمان وجهل بالدين».
ولعل أكثر ما توقفت أمامه فى تلك المسألة هو قول الشيخ دائماً: «إن تحليل الحرام إثم عظيم، يعادله أيضاً تحريم الحلال»!
هنا سألته: كيف يمكن تحريم الحلال؟
ساعتها كنت أمسك فى يدى كأساً من عصير البرتقال فقال لى فضيلة الشيخ الشعراوى رحمه الله: «بص يا سى عماد، ولو كان اللى فى إيدك ده كاس خمرة والعياذ بالله وأنا جيت وقلت لك إن ده حلال وهو حرام يبقى ده إثم كبير»، ثم أضاف: «ولو جيت وقلت لك إن البرتقال ده حرام يبقى ده برضه إثم كبير».
تذكرت مسألة تحريم الحلال، وأنا أقرأ فى ذهول تحريم أحد شيوخ الجماعة الإسلامية مسألة طابور الصباح فى المدارس لتحية العلم.
وجاء فى حيثيات الشيخ الفاضل أن «الموسيقى حرام وتحية العلم نوع من التقديس لما هو غير الله».
ولم ينتبه أن أهم ما كان يحمله سادتنا من المسلمين الأوائل فى حروبهم لنصرة الله ورسوله كان أعلام ورايات الإسلام والقبائل التى ينتمون إليها.
ولم ينتبه الشيخ صاحب فتوى تحريم الحلال أن الله سبحانه وتعالى ذكر الأوطان والشعوب فى قوله الكريم: {إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}.
وأعود وأذكر نفسى وأذكر هذا الشيخ الفاضل بقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، والتقوى يا سادتى تبدأ بعدم التجرؤ على سلطة مطلقة لله وحده فى حقه المنفرد فى إباحة الحلال وتحديده، وتحريم الحرام وتوصيفه!