فى كل مرة تشن إسرائيل عدواناً يتعرض اسم مصر لحرج شديد يؤثر سلباً على إحساس المواطنين بالثقة والاعتزاز. إنها أزمة مرتبطة بالمكانة والقيادة والدور. الدولة الأم مطلوب منها أن تمارس شيئاً فاعلاً يمنع أو يكبح أو يحجم العدوان، وهى من ناحية أخرى ترتبط مع المعتدى التقليدى بمعاهدات تلزمها بأولوية عن أى ارتباطات أخرى سواء المصالح والأهداف أو الثقافة والتاريخ والجغرافيا أو الدم، ولأن هذه الارتباطات هى الطبيعية والأصيلة تنسى الجماهير تلك الاتفاقات المكتوبة وقت الأزمة وتطلب أى رد يناسب الأم.
أزمة الدور والمكانة تتضح وتفتضح مع كل عدوان إسرائيلى. القيادة ليست مجانية ولا هى هبة طبيعية وحسب، وإنما لها ضريبة نقد ومواقف وفعل ودم، دفعتها مصر فى الأوقات التى حظيت فيها بالمكانة والدور، ثم حصدت ما يتعدى القوة الناعمة إلى الأثر الاقتصادى والنمو. ولهذا على النظام السياسى الجديد أن يختار أمره ويحسمه ويحسن فعله وقوله.
وأتصور أن تصريح وزارة الخارجية (إغلاق معبر رفح أمر طبيعى، لأنه يجرى فتحه فقط بشكل استثنائى، وحسب الحالات الإنسانية الطارئة والحرجة) هو قول وفعل يصب فى خانة الانتقاص من المكانة والدور، بل والإساءة للبلاد لأنه إذا لم يكن ممكناً له نتيجة للالتزامات المقيدة ممارسة فعل أو دعم فلا يجب أن يسهم فى حصار. إننا لسنا مضطرين لمثل هذه التصريحات ولا الأفعال التى تسىء إلينا فى وقت تتسلط فيه العدسات علينا انتظاراً لشىء ما.
المعبر أنشئ مع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979 وظلت إسرائيل تديره حتى انسحبت من غزة فأداره الاتحاد الأوروبى طبقاً لاتفاقية المعابر الموقعة برعاية أمريكية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والاتحاد الأوروبى كطرف ثالث يدير المعبر.
وتنص الاتفاقية على أنه يهدف لدعم التطور الاقتصادى وتحسين الوضع الإنسانى على أرض الواقع، وهو ما لم يحدث أبداً، بل تم منع تصدير المحاصيل مثلاً، وكانت إسرائيل تفتح المعبر فى 85% من الأيام ثم أغلقته تماماً مع وصول حماس 2007 ورفضت وجود الاتحاد الأوروبى لإدارته وتولته مصر، فاستكمل «مبارك» غلقه طيلة 4 سنوات بشكل شبه تام ثم أعيد فتحه بعد الثورة مايو 2011 وسمح للفلسطينيين عدا الرجال بين 18 سنة إلى 40 سنة بالدخول بلا تصريح.
وبالتزامن مع انسحاب إسرائيل من غزة وتوقيع اتفاقية المعابر وقعت مصر وإسرائيل اتفاق «فيلادلفى» وسمى اتفاقاً أمنياً ملحقاً باتفاقية كامب ديفيد ويخضع لاتفاقية المعابر، بمعنى أن تغلق مصر المعبر إذا أغلقته إسرائيل! وبموجب فيلادلفى ينتشر 750 فرداً من حرس الحدود المصرى على امتداد 14كم هى طول الحدود مع غزة للقبض على المشبوهين ومنع التسلل والتهريب ويعقد الجانبان لقاءً دورياً لتبادل المعلومات وتقييم سير الاتفاق، وتخضع هذه القوة للقوة متعددة الجنسيات فى سيناء ذات القيادة الأمريكية. وعقب المعارك الأخيرة فى غزة طالبت حماس بإدارة دولية على المعبر، وهو الأمر الذى رفضت إسرائيل دوماً قبوله وأعاقت تنفيذه، بينما صارت مصر للأسف هى التى تدير المعبر وبالأحرى تغلقه فى وجه الفلسطينيين، فصارت فى موضع السؤال المستمر، وخسرت من قامتها، والمستفيد فقط ومجاناً هو إسرائيل.
مصر أكبر من أن توضع فى هذا الموقع المشبوه فى ظل سعيها للتقدم والريادة التى تليق بها، وتناسب تاريخها وجغرافيتها وشعبها.
قدرها هو السيد لا التابع، والأصيل لا الوكيل.
المطلوب حرية حركة أكبر وإعادة النظر فى السياسة البائسة التى تستعيد مبارك طبقاً لتصريح الخارجية، وخاصة أنها ليست السبيل للخلاص من حماس!