عندما وقف عبدالفتاح السيسى خلف الشعب فى ثورته المجيدة ضد حكم الإرهابيين، رسم نفسه كبطل قومى جديد، سيعيد الهيبة إلى شعب يشعر بالعطش إلى دولة المجد والقوة والعدل والرخاء؛ لذلك لم يشك أحد للحظة أنه سيترشح للرئاسة، ليتولى بنفسه زمام الأمور ويحقق وعده الشهير «قد الدنيا».
والآن، بعد مرور أكثر من 50 يوماً، لم نرَ أمارة واحدة تبشرنا بقرب ظهور دولة المجد والقوة والعدل والرخاء، فما زال الإرهابيون ينظمون مواكب الرعب المسلحة بشكل شبه يومى، وما زال الإرهابيون يمرحون فى مناطق نفوذهم بالصعيد وأطراف الدولة، وما زال جنودنا يموتون غدراً فى سيناء والصحراء الشرقية، وما زال الفقراء يوغلون فى فقرهم، ويقضون أيامهم فى الطوابير، وما زالت قرانا ونجوعنا عطشانة، وما زالت الدولة على نهجها فى نهب ميزانيتها من جيوب تخلو من ثمن الخبز.
وكأن دولة عبدالفتاح السيسى تصر على أن تسير فى نفس الطريق الجبان الذى رسخه نظام «مبارك». كنا نظن أن رئيسنا سيقف فى وجه جبروت أمريكا الغاشم، لكنه اكتفى بحركة صبيانية حين جرى تفتيش وزير خارجية الدولة التى تمول وتدرب قتلة أبنائنا. وكنا نظن أن رئيسنا سيتخذ أخيراً موقفاً واضحاً صارماً رادعاً للدولتين المعاديتين لمصر، لكنه لم يقُل كلمة واحدة ضد قطر وتركيا، اللتين تحولتا إلى مقر لتخطيط العمليات الإرهابية.
وفى الأسبوع الماضى، استشهد 22 من خير أجناد الأرض غدراً فى الوادى الجديد، ثم استشهد اثنان من الضباط فى سيناء، وما زال الجناة طلقاء يعيثون فى أرضنا فساداً. وفى مطلع الأسبوع مات عدد لا نعرفه من فقرائنا الذين أجبرهم الفقر على خوض مغامرة البحث عن لقمة العيش فى ليبيا، فخرجت وزارة خارجية «السيسى» لتدين وتستنكر وتشجب بأشد عبارات الإدانة.
إنه دمنا الرخيص فى نظر حكامنا، لا يقتصون له ويكتفون بعبارات من نوعية «لن نرضخ ولن نستسلم ولن نتراجع ولن نخاف». إنه دمنا الرخيص فى نظر حكامنا الذين يجيدون سلب الأموال من أولئك المرشحين للموت برفع الأسعار، ويضطرونهم إلى غربة تقتلهم بالإهانات أو بالرصاص.
كل شىء لم يعد كما كان، صار الموت خبراً عادياً، نحن الذين كنا نضع أيادينا على قلوبنا حين نسمع صوت سيارة الإسعاف، أصبحنا نستقبل جثامين الشهداء كما ندخن وكما نشاهد المسلسلات. لا هيبة عادت ولا كرامة تحققت ولا عدالة تلوح فى سمائنا.. ما الذى تفعله يا رجل فى قصر الاتحادية؟