ترك شيخ الأزهر الإمام «الطيب» ما يحدث من قتل جماعى للفلسطينيين فى غزة، وما يحدث من فوضى تهدم حتى أمننا القومى فى ليبيا، والاجتراء الفاسد على الإسلام من قبل جماعات الجهل والبلطجة المُسماة بداعش العراق وتهجيرها لمسيحيى الموصل، ورجال يُقتلون من جيشنا وشرطتنا، ومصير لا نعلمه فى ظل ما يحدث حولنا، وقرر أن يتصدى لجمع التسجيلات المنتشرة مؤخراً حول إنكار عذاب القبر أو عذاب تارك الصلاة وغيرها من الأحاديث، لعرضها على مجمع البحوث الإسلامية لاتخاذ الإجراءات القانونية!! وكأننا نحتاج لمزيد من الإلهاء فى مجتمعنا الغارق فى الأمية القرائية -25 مليون أمى- والجهل الفكرى والتردى الأخلاقى! يا الله يا شيخنا ومالك أنت وتلك «الزيطة» التى توقعت أن تنأى بنفسك ومؤسستك عن «التزييط» فيها. لماذا يصر شيوخ الأزهر على لعب أدوار لا علاقة لها بالدين ويتركون عماد الإسلام دون مراجعة أو حماية؟ وأعنى بحديثى الأخلاق. ألم يلخص الرسول الكريم صلوات ربى عليه الإسلام فى المعاملة حينما سئل عن الدين؟ فلماذا لا يجعل شيخ الأزهر ورجاله مهمتهم الارتقاء بسلوكيات المسلمين والسمو بأخلاقهم؟ لماذا لا يجعلون رسالتهم فى الحياة إعادة النور لوجه الإسلام الذى أظلم على يد مرتزقة الإخوان والسلفيين ومن أحبوا ألقاب الدعاة ورجال الدين وأكلوا على حساب تلك المسميات على كل الموائد؟
آمنت منذ سنوات بأن آفات مصر وأسباب ترديها تتلخص فى مثلث مُكون من رجال سلطة يتحكمون فى كل شىء، ورجال مال يصنعون كل شىء، ورجال دين -مسيحيين ومسلمين- صمتوا على كل شىء. هكذا كنت ألخص أزمتنا يا سادة وما زلت رغم ما نردده من قيام ثورتين، فما زلنا غارقين فى تلك المأساة التى زاد عليها ضلع حول المثلث إلى مربع، ألا وهو دعاة الزمان الجُدد ممن أطلقوا على أنفسهم اسم «إعلاميين»، فاكتملت عناصر تغييب الوعى وعن جدارة. وبات الكل يتبارى فى صناعة «الإلهاء» دون فهم لطبيعة المجتمع واحتياجاته ومشكلاته وما يحيط به من مخاطر، ودون جدية فى تحديد أولويات الضرورة التى علينا مواجهتها. وكيف أننا بحاجة لتغيير فكر المجتمع وتنمية أساليب تفكيره ونظرته للأمور ليتحلل من سلبيات «الأنتخة» الإنتاجية والفكرية. فمع احترامى لجميع أطراف أزمة القبر وعذاباته، فإن الله الخالق والسبب الأوحد فى الوجود الذى يتحدث الجميع باسمه، أنزل رسالاته على رسله ليبلغوا بها عباده وجعل الإيمان بها اختيارياً من دون إجبار فى آية صريحة واضحة لا مواربة فيها «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». فإذا كان الله قد أرسى مبدأ حرية الفكر والمسئولية الفردية فى المحاسبة، فلما يصر كل من كان أن يكون ولياً فى الفكر على العباد -من المتحدثين عن ضرورة كسر التابوهات، أو ممن يدعون حماية أركان الدين-؟ بلا شك نحتاج ثورة على أساليب الفكر الجامدة فى التعامل مع قضايا الدين والحياة، ولكن نحتاج قبلها وبالتوازى معها انتشال المجتمع من الأمية والبطالة. وكان الأحرى بشيخ الأزهر حامل لقب «الإمام الأكبر» -الذى لا أعلم له معنى- أن يتصدى للقضاء على مظاهر التخلف التى لحقت بالمسلمين وأول أسبابها الفقر والجهل اللذان استعاذ منهما رسول الله.