أعترف بأننى كنت أحد المنبهرين بتحليلات د.مصطفى الفقى بحكم أنه يملك قدرات خاصة فى ربط الشأن الداخلى بالمواقف الإقليمية والخارجية، كما أن قدراته فى البلاغة متميزة نظراً لثقافته العميقة ويكاد يكون من المفكرين القلائل الذين يجمعون بين التواصل مع النخبة والشعب.. ويكفيه فخراً أنه نجا من فساد عهد مبارك فلم يتورط فى أى قضية.
لكن المتابع لأداء «الفقى» بعد «هوجة» يناير يكتشف متناقضات عديدة كان فى غنى عنها، بدأها بتقديم تنازلات للإخوان للفوز بمنصب الأمين العام للجامعة العربية لكن الإخوان فضحوا مكالماته وحرضوا الشارع ضده ليأتوا بصديقهم وصديق قطر نبيل العربى أميناً عاماً فجاء الأخير منفذاً لتعليمات الإخوان وقطر حتى الآن.
لم يكن التنازل للإخوان هو الخطأ الوحيد للفقى بل تبعه بانتقادات حادة لمبارك وكشف عن أسرار لم يكن قد قالها من قبل وسار على موجة هدم «مبارك» حتى إن الأخير عبّر عن رأيه فيه بسلبية خلال التسريبات.. وما أعرفه أن مبارك رفض طلب الفقى بزيارته أو محادثته.. أما آخر تقاليع المفكر الكبير فهى ما صرح به عن نيته الانضمام لحزب معارض قبل يناير ثم تخصيصه عموداً بـ«المصرى اليوم» للكتابة عن المخرج خالد يوسف، وأخيراً رأيه الذى أعلنه خلال حواره بـ«الوطن» عن رفضه إقصاء الإخوان وأنه لو كان مسئولاً لاستعان بالإخوانى خالد عودة، وأن تصالُح الجماعة مع النظام يجب أن يبدأ بمبادرة مقبولة منهم!!
لا أعرف كيف يكتب مفكر كبير مثل الفقى عن المخرج خالد يوسف إلا حين تذكرت مقالات أخرى كتبها بعد يناير عن خيرت الشاطر وفهمى هويدى ومحمد عبدالقدوس، أو كشفه عن أنه اتصل بمنزل الشاطر فأبلغته ابنته بأنه يطلب منه الاتصال فى اليوم التالى على المكتب.. ولم يتعلم الفقى فقد تهاون فى حق نفسه كثيراً حتى وصل به الحال إلى الكتابة عن خالد يوسف.. أما قصته حول نيته دخول حزب معارض واكتشافه المفاجئ أنه نشأ فى أسرة وفدية، فهذا كلام غير مستساغ ولم يكن بحاجة لترديده لأن حق الالتحاق بالأحزاب مفتوح للجميع والطموح أيضاً وهو ليس بحاجة لادعاء بطولات أو تحقيق مكاسب وهمية.. أما الأخطر فهو فى حالة التصالح غير الواعى مع الإخوان وكأنهم لم يرتكبوا كل هذه المجازر حتى الآن، واكتشافه المفاجئ لقدرات خالد عودة وترديده خطاباً «مايع» ضد جماعة إرهابية تستقوى بالخارج ضد الشعب والجيش المصرى العظيم.. وإذا كان الفقى قد شاركهم احتفالاتهم بعد يناير للتكفير عن واقعة انتخاباته مع جمال حشمت، فلن يدفع الشعب فاتورة آرائه «المايعة»، خاصة أن الرجل كانت آراؤه أيام مبارك صادمة، وخلال عضويته بالحزب الوطنى وبالبرلمان كانت أقوى وأعنف من آرائه فى الإخوان خلال حكمهم رغم ما فعلوه به.
يكتب د.مصطفى الفقى فى 4 صحف: «الأهرام، الأخبار، المصرى اليوم، اليوم السابع»، وله برنامج على قناة «النهار». وإذا صبت كل هذه الأفكار فى صالح الدفاع عن الدولة المصرية سيكون ذلك عظيماً خاصة مع ما يملكه الفقى من ثوابت وطنية ومعلومات وقدرة فائقة على التحليل السياسى، لكن إذا اتبع مبدأ «مسك العصا من المنتصف»، فى هذه المرحلة المهمة، فهو أمر خطر، ونصيحتى للمفكر الكبير سأنقلها من إحدى مقالاته التى كتبها عن نفسه فى «المصرى اليوم» عام 2009 تحت عنوان هو «صدى السنين»: «الانتشار الأفقى يشتت الجهود، ويبعثر القدرات، ولو أن صاحبنا مضى فى طريق واحد لكان تأثيره أوقع ومكانه أرفع».
يا دكتور مصطفى.. الانتشار الأفقى فى الجهد والمواقف والعلاقات مع الجميع يخسرك الجميع.