ليس غريباً فى ظل نجاح أبناء مبارك وعودتهم ما نراه فى وسائل الإعلام الخاصة والحكومية من هجوم على المقاومة الفلسطينية ومغالطات تتعلق بالحصار والمعابر بل وتأييد صريح وامتداح للعدوان الإسرائيلى ضد غزة، والتلاعب بالخطاب واللفظ وتسويق أن غزة هى حماس وكأن مصر هى أى جماعة تحكمها ويستحق شعبها ما ينزل عليه من أعداء حكامها!
التدليس واضح ومتعمد، ويعبر الخطاب عن سياسة وبعض توجيه ليس جديداً وتعود أصوله الأولى إلى المرحوم أنور السادات حين قرر أن يفضها سيرة ويكف النضال والتحرير والاستقلال ويسلك طريق السلام الذى بدأه قبل أن تبدأ الحرب. كان ضرورياً أن يقول لماذا سيسير فى هذه الطريق وهو لم يسترد أرضه بعد، ولماذا سيتخلى عن البلاد والشعوب الذين وقفوا واتفقوا معه فى كل حرب ودعموه. قال إنه لن يستطيع أن يحارب أمريكا ولم يكن هذا مقنعاً تماماً لأنه لا يحاربها، كما أن بلاداً كفيتنام انتصرت على أمريكا نفسها قبلها.
تسبب طريقه فى عزلة مصر عربياً وتهاوى مكانتها ونقل مقر الجامعة العربية منها.
خرج وإعلامه يبالغون فى تضحيات مصر وشهدائها من أجل فلسطين وشنوا حملة شعواء على منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها لأنهم يرفضون الانضمام إليه وكانت الأسطوانة الرئيسية أن القضية لا تهمهم بل يتاجرون بها ويتكسبون منها الأموال الطائلة لأهداف خاصة وأنهم يناضلون فى الكباريهات حتى آخر جندى مصرى.
هؤلاء السياسيون والإعلاميون هم الآباء المؤسسون للخطاب الحالى الذى لا يختلف كثيراً فى مضمونه وأهدافه عن الذى أبدعه السادات واستمر لليوم، وإن تغير اسم المنظمة إلى حماس، لم يضف الخلاف مع حماس لأعمالها أو لكونها «إخوان» تغييراً فى جوهر الخطاب أو النهج السياسى غير أنه أكده ووجده فرصة طيبة للسير فيه بعمق يتفق مع نجاحات تحققت ضد أهداف الثورة فى الحرية والعدالة.
يعتمد الخطاب على التشكيك فى مصداقية ونوايا وأهداف المقاومة الفلسطينية التى تختلف مع سبيل السلام المصرإسرائيلى والاستخفاف والسخرية من استخدامها أى قوة متاحة مقارنة بالقوة الإسرائيلية وإنكار حصارها، وتدعيم فكرة أن إسرائيل قوة كبرى لا جدوى من مناطحتها، وأن المقاومة هى انتحار أو قتل للفلسطينيين، فضلاً عن أنها منفعة لمن يدعو إليها سواء كانت مالاً أو سلطة، وأن الطريق السليم هو نهج السادات متجاهلين الاختلافات.
ورغم أن الفلسطينيين سلكوا نهج السادات منذ أوسلو وغزة أريحا أولاً (وأخيراً) فإن حياتهم لم تتغير والعدوان عليهم وقتلهم وحصارهم ونهب أراضيهم وإقامة المستعمرات عليها لم تتوقف لا من قبل حماس ولا من بعدها، مما يفضح تهافت الحجج التى تبرر العدوان ونهج السادات، ويكشف أن تلك الحجج ليست السبب فى هذا الخطاب التبريرى بل إنه مؤسس على سياسة ثابتة ومترابطة مع خط اقتصادى ينتهج الاقتصاد الحر وتحرير الأسواق والالتحاق بالشركات العابرة والتوكيلات والرأسمالية العالمية التى ينتظر استثماراتها بشغف ويمنحها تسهيلات.
هذه السياسات الخطرة تتكامل وتنمو بالحد من الحريات والتعبير واستعادة الخوف وتفعيله وتشديد القبضة الأمنية والأحكام وتدعيم القوة التحكمية للرئيس حتى بطلب المساعدة والتبرعات.
ولذا فإن ما اتخذته الإدارة المصرية حيال الحرب الأخيرة على غزة يتسق معها منطقياً وهى محتومة به بحكم مصالحها هى وتكوينها الطبقى والأصلى، ويصعب عليها إصلاح هذه السياسة حتى لا ينفرط من قواعدها قواعد فى الداخل والخارج!