جيد أن تبدأ القوى السياسية فى بناء تحالفاتها من الآن استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة، فلا مستقبل للأحزاب الصغيرة. والتاريخ السياسى لأوروبا وغيرها من الديمقراطيات بآسيا وأمريكا اللاتينية يشير إلى أن معظم الأحزاب القوية هناك هى فى حقيقتها ائتلافات أو اندماجات لأحزاب قريبة فى المرجعيات السياسية والأيديولوجية، والأمثلة هنا تتضمن حزب المؤتمر الهندى وحركة أمنو الماليزية والحزب الديمقراطى المسيحى الألمانى والحزب الاشتراكى الإسبانى وحزب العمل وتكتل ليكود بالكيان الصهيونى.
البقاء فى عالم السياسة للقوى الكبيرة والأكثر تنظيما والأكثر قدرة على جمع النشطاء الذين يعملون على الأرض. ولهذا يجب التخلى عن تصور كل حزب أنه قادر بمفرده على التصدى لمشكلات مصر أو الاعتقاد أن برنامجه متميز عن غيره.
لكن من الضرورى أولا -وبعد عقود من الفساد والاستبداد والتبعية- التركيز على الهدف الأعلى الذى ثار المصريون من أجله، وهو تأسيس نظام سياسى واقتصادى يضمن حماية الحقوق والحريات العامة ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المستوى الاقتصادى والثقافى والاجتماعى والتعليمى والصحى لكافة المصريين (ولاسيما الفئات الفقيرة والمحرومة) واسترداد كرامة المصريين فى الداخل والخارج وصنع سياسة خارجية مؤثرة. لن يرحم التاريخ من يقدم أهدافه الذاتية على هذا الهدف الوطنى الجامع ولن يرحم من يرتكب الأخطاء أو يعيدنا إلى الوراء بقصد أو جهل، ولا وقت لدينا لاعتقاد كل فريق أن أهدافه الذاتية ستحقق الأهداف المصرية الجامعة.
كما أن مرحلة التأسيس تتطلب أن تدرك القوى السياسية أن تأسيس الأنظمة الجديدة بعد الثورات لا يحتمل أن ينتصر فريق لرأيه على حساب الآخر دون حوار وتوافق وشفافية، كما لا يحتمل أى غموض فى المواقف ولا إثارة للقضايا الخلافية ولا الدخول فى النوايا. لا بد من اعتدال الخطاب السياسى للكافة وإجراء ضبط ذاتى على كل عبارة تقال عن الآخر، لأن إلقاء التهم قبل التدبر واستجلاء الأمور أمر مدمر. على الإسلامين إدراك أننا لا نعانى من أزمة هُوية، ولا يجب تصور أن هناك مخططا لمحو الهُوية العربية والإسلامية للبلاد. وعلى القوى الليبرالية واليسارية والقومية الكف عن الدخول فى نوايا الإسلاميين والاهتمام بوضع الضمانات الدستورية والسياسية التى تمنع الإقصاء والاستبداد. وعلى الجميع التصدى للإعلام غير الهادف ولضيق أفق بعض النخب التى صارت تتصدى لقضايا مصيرية فجأة ودون تشاور أو تدبر فى مجمل الأوضاع.
ولأن الانتخابات تتطلب كوادر سياسية، فعلينا التخلى عن فكرة أهل الثقة والبدء فورا فى إعداد قوائم من الكفاءات الوطنية المخلصة ودعمها فى الترشح للانتخابات البرلمانية والمحلية. تحتاج البلاد إلى نشطاء سياسيين من نوع جديد، لديهم القدرة على التواصل مع كافة فئات المجتمع ونقل همومهم للمجال السياسى وتحويلها إلى مشاريع قوانين فى البرلمان ومقترحات لسياسات عامة للوزراء، ولديهم الحد الأدنى المطلوب من الحس الوطنى والحكمة الموضوعية والثقافة العامة والمهارة السياسية لمتابعة وفهم واستيعاب مجمل قضايا المجتمع وطرحها للنقاش حسب أولويات ومتطلبات المرحلة. وتحتاج مصر إلى قافلة من المتخصصين فى كافة المجالات. لا يجب ترك هذا الموضوع إلى الأيام الأخيرة قبل الانتخابات كما حدث بالانتخابات الماضية.
ودمج الشباب أمر محورى وضرورى هنا، ففى مصر كوادر شبابية مؤهلة وقادرة على المساهمة بفعالية فى إدارة البلاد. وأتكلم هنا عن الآلاف من الشباب (من كافة المحافظات) الذين شاركوا بفعالية فى الثورة ثم اندمجوا فى مبادرات مجتمعية بعيدا عن الأضواء وأصبحوا يحققون بالفعل إنجازات ملموسة. لا بد أن تبحث الأحزاب السياسية عن الشريحة التى تهتم بالعمل السياسى من هؤلاء الشباب وتقدمهم داخل اللجان المختلفة بالأحزاب وعلى قوائم المرشحين للانتخابات. هؤلاء هم النخبة المصرية الجديدة التى يجب أن تحل قريبا محل النخبة الحالية.