كل من تعامل مع دور الأيتام أياً كانوا، يعرفون تماماً أن ما شاهدناه على الشاشات من رئيس مجلس إدارة دار مكة المكرمة للأيتام (حاصل على الإعدادية) شىء مألوف جداً وعادة يومية فى مثل هذه الدور وما شابهها، ويثق هؤلاء وغيرهم أن هناك ما يصعب تصويره أفظع وأشد هولاً مما فعله (بابا!) هذا الذى يعاقب فى المرة الواحدة بالضرب على اليد ثم المؤخرة ثم يكمل تنويعاته بالشلوت. اكتشفنا الجريمة فقط بسبب الصراع على السلطة. فالجانى عاد منذ 2006 وظل يدير الدار مع زوجته، ولا شك أنه كان يمارس نفس القسوة فى معاملة الأطفال اليتامى وهى نفس القسوة التى قال إنه يمارسها مع أولاده، ولكن الزوجة التى ناطحها زوجها على الإدارة واستولى عليها كانت كما تقول «عايزاه يكمل شغله فى السعودية ورافضة ينزل مصر» ولم تصور لحظات عنفه إلا بعدما استبعدها ففكرت بإنشاء دار جديدة تدر حليباً كتلك التى أنشأها. ثم لم تنشر الشريط المصور بعنفه إلا بعدما استخرجت ترخيص دار أيتام جديدة أو بعد سنة و4 شهور حسب الزوج الذى يعلم بالشريط قبلاً وتمت مساومته به. أرادت الخلاص من الزوج والانتقام منه أساساً وليس تخليص الأطفال من عذاب يعانونه تحت بصرها منذ ظهر الرجل فى تلك الدار. منتفعون، وللأسف يبدو أن تسترها هذه السنين عليه قد يمر بلا عقاب لأنها أبلغت.
هذه الدور وغيرها من المؤسسات الخيرية باب ثراء لمن يقومون عليها أو يبنونها ويديرونها إذ تهبط عليهم بالقانون شلالات التبرعات والإعانات والهبات والوصايا، ثم ينفقون آلافاً وملايين الجنيهات كدعاية من أجل الحصول على المزيد من أنهار العسل واللبن، غير إعانات الدولة، وكى يعيشوا فى سلام لا بد يرضون كل من حولهم، بل إن اليتامى الكبار يدركون مع الوقت الفساد، وأن هذه أموالهم فيضغطون على المديرين من أجل مكاسب ما.
لم يكشف التجاوزات فى حالتنا هذه إلا الصراع داخل الدار بينما فى الحالات الأخرى فالجميع راض والفساد والتجاوزات والمكافآت والتبرعات والأنصبة تعمل بنظام. وفى كل هذا الحكومة (وزارة التضامن ولجنة حماية الطفولة بكل محافظة) والجهات الرقابية كالمجلس القومى للطفولة لا تمارس دورها المفروض رغم ما يغدق عليهم. وبينما تم القبض على رئيس دار مكة وفُضح عمله فإن مسئولاً واحداً أو رقابياً واحداً لم يحقق معه عن القسوة التى تعرض لها اليتامى سنوات. جهات تكتفى بالجلوس بالمكاتب وتنتظر أن يقوم آخرون بعملها ويبلغها، مقدماً لها أدلة لتتحرك، وهذا تقصير شديد وتقاعس وإهمال.
وحسب القانون فالدولة (تكفل حماية الطفولة من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك) وكل هذا يحدث فى هذه الدور. جهات مسئولة تتابع الدراما ولم تكشف بنفسها عن تجاوزات أخلاقية أو وقائع فساد مالى بتلك الدور لأن الأيتام أبناء الشعب، وكثيراً ما يتم التغاضى والتغطية خوفاً من الفضائح والعقاب أو مشاركة فى المنفعة من البقرة الحلوب وقد كان استخدام هؤلاء الأطفال فى الدعاية لمرسى والسيسى دليلاً على تواطؤ الجهات المسئولة مع هذه الدور. يلزم مراجعة ملف هذه الدور وغيرها مالياً لأنها أموال عامة، ومراجعة ملفات القائمين عليها أخلاقياً ومالياً وتطبيق من أين لك هذا لمن يثبت ثراؤه بالباطل لأنهم موظفون عموميون. ثم العمل بقواعد نفسية وعلمية يتم بها اختيار كل العاملين بدءاً من حارس البوابة حتى الرئيس، ودعم هذه الدور بإخصائيين نفسيين مدربين وفتح طرق للرقابة الشعبية والدعم والتواصل الإنسانى مع أبنائنا هناك!