عن التحول الديمقراطى فى مصر حاضرت، أمس الأول، فى المؤتمر السنوى لجمعية العلوم السياسية الألمانية. وكان من بين ما ذهبت إليه هو التأكيد على أن تفاعلات ونقاشات السياسة لدينا تنطلق من كون الديمقراطية تمثل الوجهة المنشودة لتحولنا، وإن تفاوت ما تفهمه القوى المؤثرة بمجتمعنا تحت اليافطة الديمقراطية قيما ومؤسسات وممارسات. وبنيت على هذه النقطة استنتاجا إيجابيا مؤداه أن الالتزام بالديمقراطية يعد فى ذاته ومع استمرار الطلب الشعبى على الديمقراطية (مترجما إلى أهداف العيش والحرية والكرامة الإنسانية) ضمانة ربما وحيدة لعدم انحرافنا عن مسار التحول.
ومن بين استنتاجات كثيرة أخرى حملتها محاضرتى، بشأن صعوبة التأسيس لثقافة سيادة القانون وعدم اختزال الديمقراطية لصندوق انتخابات على أهميته وغياب التوازن عن المشهد السياسى والحزبى فى مصر، كانت قضية الالتزام بالديمقراطية وتداعياتها هى التى أثارت معظم تساؤلات الحضور من أساتذة وباحثى العلوم السياسية الألمان.. البداية جاءت من الأستاذ الشهير كلاوس أوفه (صاحب كتب مهمة عن الدولة الحديثة والعدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطى) الذى دفع بأن تفاوت ما تفهمه قوى المجتمع المصرى تحت اليافطة الديمقراطية يفتح الباب واسعا لتجاوز مكوناتها الأساسية المتمثلة فى المساواة الكاملة أمام القانون والمشاركة الشعبية وتداول السلطة باتجاهات قد تنتج فى النهاية مسخا ديمقراطيا. ثم تابع أساتذة آخرون بتعليقات متنوعة جوهرها أن مفهوم الديمقراطية، وهو دوما ما أثار جدلا عالميا، قد يتحول إلى مفهوم غامض يقصد به الشىء وعكسه ويجرد من الصدقية التى يستدعيها لدى المواطن. فريق ثالث من المعقبين، وأغلبهم كان من أصحاب التخصص فى دراسات العالم العربى، رأى أن جذور التنازع فى مصر حول الديمقراطية قد تعاد إلى اختلافات أعمق فى ثقافتنا السياسية بشأن العلاقة بين الدين والسياسة وكون الديمقراطية تفرض تنظيما لهذه العلاقة على نحو لا ترضى عنه قوى مؤثرة فى مجتمعنا.
أنقل هنا فقط تساؤلات وتعقيبات الأساتذة والباحثين الألمان للتدليل على حقيقة أن نقاشاتنا وجدلنا فى مصر حول الديمقراطية ليست ببعيدة عما يدور ويقال عنا خارج حدودنا. ردى على التساؤلات هذه كان بإيجاز أن تفاوت ما يفهم تحت اليافطة لا يعنى تجريدها بالكامل من المضمون وأن الكثير من تفاعلات السياسة يقيم بالرجوع إلى تصور عام يرى فى سيادة القانون والمشاركة الشعبية وتداول السلطة الطريق إلى تحقيق أهداف العيش والحرية والكرامة الإنسانية ويحاسب القوى المختلفة على اقترابها أو ابتعادها عن الطريق هذا. دفعت أيضا بأن تثبيت مضمون مكونات الديمقراطية حتمى أن يستغرق وقتا ولا يستطيع مجتمعنا، شأنه شأن كافة التجارب العالمية، أن يحققه فى قفزة واحدة.
دعوة للصبر وعدم فقدان الأمل، بات أسهل علىّ أن أطلقها خارج مصر عن داخلها.