إن كانت مصر تحتاج لرئيس يلتزم بالآليات الديمقراطية ودولة القانون والشفافية ويعلى من شأن المصلحة الوطنية ويمتلك القدرة على ترجمة رؤيته لسياسات عامة محددة، فأوضاعها السياسية الراهنة تستدعى رئيسا ذا مواصفات إضافية.
دون معاداة غير مطلوبة للتيارات الإسلامية وقياداتها ومع التسليم بكون الإسلاميين فى صلب الحركة الوطنية، تحتاج مصر لرئيس من خارج هذه الدائرة.. فلحظات التحول الديمقراطى تتطلب التنوع السياسى فى مراكز صنع القرار التشريعية والتنفيذية، والتنوع هذا هو الضمانة الأساسية لعدم احتكار السلطة ولتفعيل مبادئ الرقابة المتبادلة والمحاسبة. بعبارة أدق وفى ظل سيطرة الإسلاميين على البرلمان وضعف حضور التيارات الأخرى، نحتاج لرئيس يتبنى أجندة مدنية ويقترب من ويبتعد عن الأغلبية الإسلامية فى البرلمان وفقا للأولويات السياسية والمجتمعية.
نحتاج لرئيس يعترض على الانتقاص من الحريات والحقوق الشخصية ومن المساواة بين النساء والرجال وحريات الرأى والفكر والإبداع إن شرع البرلمان فى تمرير قوانين تذهب بالاتجاهات هذه. نحتاج لرئيس يراقب هو وحكومته من البرلمان، وينتبه فى الوقت ذاته لمنع تغول البرلمان على السلطة القضائية أو على الأجهزة التنفيذية بالتدخل السافر فى أعمالها. نحتاج لرئيس يقاوم نزوع البرلمان نحو تمرير قوانين اقتصادية واجتماعية تغازل القطاعات الفقيرة والمحافظة دون أفق تنموى، ويقف فى وجه محاولات التيارات الإسلامية الاستئثار بالحياة السياسية وبالدولة ومؤسساتها وأجهزتها.
تحتاج مصر فى تحولها الديمقراطى المتعثر لتنوع فى مراكز صنع القرار ولرئيس يجتهد ليضبط إيقاع السياسة، والمجتمع أيضاً. لن نحتمل إعادة هندسة الحياة المجتمعية على نحو ينتقص من الحريات الشخصية والمدنية ويفرض المحافظة نمطا لا فكاك منه ويهمش المختلفين والمجددين ويمنعهم تدريجيا من الوجود فى المساحة العامة. المزيد من هيمنة التوجه المحافظ على المجتمع ليس إلا كارثة ستودى بقيم الحرية والمساواة، وحصيلتها السياسية سيطرة تتسع للإسلاميين الذين سينجرفون أكثر نحو اليمين.
أتابع غداً..