شكل رئيس الجمهورية لجنة عليا للإصلاح التشريعى ضمت نخبة من القضاة والخبراء وأساتذة القانون بهدف العمل على إعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين وقرارات رئيس الوزراء اللازم إصدارها أو تعديلها تنفيذاً لأحكام الدستور المعدل الصادر فى ٢٠١٤، والعمل على توحيدها وتبسيطها ومسايرتها لحاجة المجتمع وملاءمتها للسياسة العامة للدولة وفلسفتها وأهدافها القومية التى يحددها الدستور، وندرك أن التشريعات فى مصر بلغت إحصائياتها أكثر من مائة ألف تشريع وفقاً لما أعلنه وزير العدالة الانتقالية، مما يعنى أن اللجنة أمامها مهمة ثقيلة تحتاج إلى تنظيم للأولويات.
واللجنة يجب أن تستمر فى عملها حتى بعد انتخاب مجلس الشعب الذى سيكون لديه مهام كبيرة وكثيرة سواء فى الرقابة على أداء الحكومة أو فى اعتماد الاتفاقيات الدولية وإصدار التشريعات، فالحكومة هى التى تقدم مشاريع القوانين التى تحتاجها لتنظيم وتسيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والحقوق والحريات وشئون العدالة وغيرها، وبالتالى تعمل اللجنة كبيت خبرة للحكومة فى إعداد ودراسة التشريعات والعمل على أن تكون متوافقة مع الدستور والسياسة العامة للدولة، ويحتفظ البرلمان طبعاً بحقه فى المناقشة والتعديل قبل الموافقة على الإصدار باعتباره السلطة التشريعية.
السؤال الآن هو عن الأولويات التى يجب أن تضعها اللجنة فى التشريعات التى يجب أن تبدأ بها، فوفقاً لتصريحات السيد رئيس الوزراء فإن القوانين المتعلقة بالأمن القومى والأوضاع الاقتصادية لها الأولوية، وهنا نختلف مع التأكيد على أهمية هذه التشريعات التى أشار إليها رئيس الوزراء إلا أن القوانين المتعلقة بالحقوق والحريات يجب أن تأتى فى المقدمة، لاسيما أن الدستور أفرد أبواباً للحقوق والحريات وأضاف حقوقاً أساسية للمواطنين محمية بموجب الدستور لكن تحتاج إلى قوانين لضمان التنفيذ. ونشير بوجه خاص إلى مواد البابين الثالث والرابع، بشأن الحقوق والحريات وسيادة القانون.
فالتعذيب المحظور بالدستور وهو من الجرائم الكبرى التى وضعها القانون الدولى ضمن الجرائم ضد الإنسانية، يحتاج إلى أن نعدل قانون العقوبات (المادتين 126 و129)، وهنا التعديل المطلوب هو إضافة تعريف التعذيب وفقاً للتعريف الوارد فى اتفاقية مناهضة التعذيب التى صدقت عليها مصر وفقاً لنص المادة ٩٣ من دستور ٢٠١٤، وكذلك قانون الإجراءات الجنائية بشأن حق المواطن فى رفع الدعوى المباشرة إلى المحكمة إذا تم انتهاك حقوقه المحمية بالدستور والقانون لاسيما أن النص الحالى فى قانون الإجراءات الجنائية المادة ٦٣ يعطى للنائب العام وحده حق تحريك الدعوى الجنائية ضد الموظف العام.
كذلك هناك حزمة قوانين بشأن الجمعيات والتظاهر والنقابات وحق تداول المعلومات، وحرية الرأى والتعبير، وملكية وسائل الإعلام والصحف، وحماية الحقوق والحريات العامة وتجريم كل اعتداء عليها، وتعديل قانون المجلس القومى لحقوق الإنسان لضمان تدخله قضائيا لمساعدة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وفقاً لنص المادة ٩٩ من الدستور الجديد.
وتكتسب هذه القوانين أهمية خاصة لأننا التزمنا كدولة مصرية بتوصيات المجلس الدولى لحقوق الإنسان بشأن أغلب هذه القوانين، ونحن مقبلون خلال الشهرين المقبلين على مناقشة تقرير مصر بشأن المراجعة الدورية الشاملة فيجب أن يكون الرد الرسمى ملتزماً بتنفيذ التوصيات أو أنها على الأقل ضمن الأجندة التشريعية لمصر، فرغم أهمية القوانين المتعلقة بالأمن القومى والاقتصاد فإن حقوق الإنسان هى أساس الأمن القومى وحماية الحقوق والحريات أساس السياسة العامة للدولة، لذلك فمن أولويات اللجنة العليا للإصلاح التشريعى يجب أن تأتى قوانين حماية حقوق الإنسان والحريات العامة للمواطنين على رأس هذه الأولويات.