حيثيات براءة «العادلى» من «التربح وغسل الأموال»: لم يستغل سلطاته
أودعت محكمة جنايات جنوب القاهرة حيثيات حكمها الصادر فى شهر يونيو الماضى، ببراءة حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، فى إعادة محاكمته بقضية اتهامه بالتربح من أعمال وظيفته وغسل الأموال بما قيمته نحو 5 ملايين جنيه، عبر قيامه بتكليف مرؤوسيه بسرعة إيجاد مشترٍ لقطعة أرض مخصصة له بمنتجع النخيل بالتجمع الخامس، وبيعها لأحد المقاولين ممن يرتبطون بتنفيذ أعمال لصالح وزارة الداخلية، بسعر يزيد على قيمتها السوقية.
وصدر الحكم برئاسة المستشار إبراهيم الصياد، وبعضوية المستشارين صفاء الدين أباظة وعبدالجواد محمد على، بحضور عبدالعليم فاروق رئيس نيابة أمن الدولة العليا، وأمانة سر أيمن محمود.
وذكرت المحكمة فى أسباب حكمها التى جاءت فى 20 ورقة، أنها تأكدت، من واقع أدلة الدعوى ومستنداتها، أن «العادلى» لم يستغل سلطاته الوظيفية بما ينطوى على إساءة استعمالها أو الانحراف بها فى أمر بيع الأرض، وأنه لا توجد صلة شخصية تربط بين «العادلى» ومشترى الأرض، والتقارير الفنية للخبراء التى تسلمتها المحكمة تقطع بأن سعر البيع جاء متفقاً مع الأسعار السوقية السائدة.
وأشارت المحكمة إلى أن تكليف «العادلى» لمدير مكتبه، اللواء علاء حلمى، برغبته فى بيع الأرض بعد أن حددت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مهلة 6 أشهر لجمعية النخيل التعاونية للبناء والإسكان لاستخراج تراخيص البناء على أراضى الجمعية، ومن بينها أرض «العادلى»، وإلا أُلغى التخصيص، هو تكليف بأمر فى شأن خاص لا صلة له بأعمال وظيفته ولا وظيفة من تلقوا هذا الطلب وليس من مقتضياتها. وأضافت المحكمة أن اللواء الدكتور عماد حسين، مساعد وزير الداخلية رئيس أكاديمية الشرطة رئيس جمعية النخيل، الذى أخطره اللواء علاء حلمى برغبة «العادلى» فى بيع الأراضى وعدم استخراج تراخيص البناء لها، وطلب الوزير مساعدته فى بيعها، قرر فى أقواله بتحقيقات النيابة العامة أن هناك الكثير من الضباط المخصصة لهم أراضى أعضاء الجمعية، طلبوا ذات الطلب من أعضاء مجلس إدارة الجمعية بمساعدتهم فى بيع أراضيهم لعدم قدرتهم على البناء ولضيق الوقت المتاح الذى حددته هيئة المجتمعات العمرانية.
وأكدت المحكمة أن رئيس مجلس إدارة جمعية النخيل أو أياً من أعضائها أو المسئولين عنها، لم يقر فى أقواله بالتحقيقات أو فى شهادته أمام المحكمة، بأن «العادلى» لوح لأى منهم باستخدام سلطته فى هذا الأمر، بترغيب أو ترهيب أو وعد أو وعيد ليحملهم على تنفيذ طلبه بما ينطوى على إساءة استعمال سلطته أو الانحراف بها، موضحة أن الثابت من أقوال المسئولين عن الجمعية بالتحقيقات أن فكرة بيع «العادلى» لقطعة الأرض لم تكن إلا وليدة إخطاره من الجمعية بتحديد موعد لاستخراج تراخيص البناء فى موعد غايته 28 فبراير 2011 وتلاقى ذلك مع عدم رغبته فى بنائها.
وأضافت المحكمة أنه ثبت لديها بأن الضباط المسئولين بالجمعية الذين تصدروا مشهد بيع قطعة الأرض، لم يقوموا ابتداء باختيار المشترى، وإنما جمعتهم به صدفة ترشيحه لشراء قطعة الأرض من خلال مكتب السمسرة العقارية، وذلك على نحو ما قرروا بالتحقيقات وقرر به المشترى نفسه، وكذا هانى أحمد سيد مالك شركة «الشمس للتسويق العقارى» التى تولت تسويق الأرض وإيجاد مشتر لها، علاوة على أن المشترى «محمد أحمد فوزى»، لم يعلم بأمر عرض الأرض للبيع إلا من خلال زيارته لصديقه مالك شركة التسويق العقارى المذكورة.
وذكرت المحكمة أن مالك شركة التسويق العقارى عرض بيع الأرض على صديقه المشترى، خلال لقاء جمع بينهما مصادفة، مما لا ينبئ باتجاه نية «العادلى» لبيع قطعة الأرض للمشترى بعينه، مشيرة إلى أن «العادلى» لم يقم بوضع سعر محدد لبيع الأرض، وإنما من قام بتسعير الأرض كان المكتب العقارى الذى تولى تسويقها وفقاً للسعر السوقى لها وظروف البيع وأهمها المدة الباقية على استصدار تراخيص البناء الخاصة بها، وأن المشترى بدوره تبين له، بعد الاستعانة ببعض أصدقائه من أصحاب الخبرة فى مجال التسويق العقارى أن سعر البيع 3 آلاف جنيه للمتر، يعتبر فرصة لأن ثمن المثل يزيد بنحو 500 جنيه للمتر الواحد، مما يقطع بعدم وجود نية للمتهم لاستغلال الوظيفة العامة لبيع قطعة الأرض للمشترى فى تحقيق أى منفعة خاصة.
وأضافت المحكمة أنه على الرغم من أن مشترى قطعة الأرض المخصصة لـ«العادلى» كانت بينه وبين وزارة الداخلية بعض أعمال المقاولات السابق إسنادها إلى شركته فى غضون عامى 1998 و2007، غير أنه لم يثبت من واقع أوراق القضية ومستنداتها وجود أى صلة مباشرة بين «العادلى» بصفته الوظيفية وبين إسناد هذه المناقصات فى تاريخ إسنادها إلى مشترى قطعة الأرض.
وقالت المحكمة إنه لم يثبت توافر علاقة السببية بين واقعة بيع قطعة الأرض المملوكة لـ«العادلى»، وأى عمل من أعمال وظيفته، موضحة أن أعمال الوظيفة لم تكن هى سبب حصوله على المال من بيع الأرض، فإذا لم تكن هى سبب الحصول عليه، انتفت الجريمة، مما يعنى أن يكون فعل الموظف أو من فى حكمه هو الذى أدى مباشرة إلى التربح بوجود علاقة بين أعمال الوظيفة والحصول على الربح، وهو الأمر غير المتوافر فى أوراق القضية.
واستندت المحكمة إلى ما جاء بتقرير لجنة خبراء وزارة العدل، السابق تشكيلها بأمر من المحكمة، التى خلصت فى تقريرها بالرأى الفنى إلى أن السعر الذى بيعت به أرض «العادلى» إلى المشترى 4 ملايين و763 ألفاً و100 جنيه، وفقاً لما جاء بالعقد الابتدائى المؤرخ فى 21 أكتوبر 2010، قد جاء مناسباً ويتفق مع الأسعار السوقية السائدة فى تلك المنطقة فى ذلك الوقت، علاوة على ما ثبت للمحكمة من واقع اطلاعها على 23 عقد بيع ابتدائى فى سنة 2010 و17 عقداً مماثلاً فى سنة 2011 لأعضاء بجمعية النخيل، حيث تجاوز جميعها سعر المتر مبلغ 3 آلاف جنيه الذى بيع به المتر بأرض «العادلى».
وقالت المحكمة إنها تعول فى هذا الصدد على ما شهد به حسام عبدالعزيز صالح، الخبير بوزارة العدل، أمام المحكمة، بأنه قام بمعاينة الأرض وبحث حالة المثل، وتبين له أن سعر المثل محدد بمبلغ 3 آلاف و200 جنيه للمتر، بينما بيعت أرض «العادلى» بسعر 3 آلاف جنيه للمتر، مما ينفى عن عملية البيع شبهة الاستغلال فى تحقيق منفعة أو شبهة منفعة أو تحقيق مصلحة خاصة للبائع أو غيره بتجاوز ثمن المبيع لثمنه الحقيقى. وأكدت المحكمة أنها تقضى بتبرئة حبيب العادلى فى الاتهام الثانى المتعلق بارتكابه لجريمة غسل الأموال بما قيمته 4 ملايين و513 ألفاً و100 جنيه متحصلة من جريمة التربح من بيع الأرض، باعتبار أن جريمة التربح هى الأساس الذى قامت عليه جريمة غسل الأموال المنسوبة للمتهم، وهى لا تقوم إلا بقيام الجريمة الأولى «التربح» باعتبارها نتيجة لها، وأنه وإذ كانت المحكمة قد خلصت إلى براءة «العادلى» من جريمة التربح، الأمر الذى أضحت معه جريمة غسل الأموال على غير سند من القانون.
وجاءت إعادة محاكمة «العادلى» فى ضوء الحكم الصادر من محكمة النقض التى كانت قد قضت فى شهر مارس من العام الماضى بإلغاء الحكم السابق صدوره من محكمة الجنايات بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة 12 عاماً إثر إدانته فى تلك القضية.
وكانت محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار محمدى قنصوة، قد أصدرت حكماً بالإدانة فى القضية فى مايو من عام 2011 تضمن معاقبة «العادلى» بالسجن المشدد لمدة 12 عاماً وتغريمه مبلغ 4 ملايين و853 ألف جنيه مع إلزامه برد مبلغ مساوٍ له وذلك عن تهمة التربح، وتغريمه مبلغ 9 ملايين و26 ألف جنيه على أن تتم مصادرة المبلغ المضبوط موضوع تهمة غسل الأموال والبالغ 4 ملايين و513 ألف جنيه.