قلت لصديقى: لن أتبع منهجاً رفضوه من قبل وما زالوا، فإذا قلنا: خصوصية اللفظ.. قالوا: عمومية اللفظ. قلنا: العقل.. قالوا: النقل. قلنا: سبب التنزيل.. قالوا: القرآن لكل زمان ومكان. قلنا: لا تُخرجوا الآيات من سياقها كالآية «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ» للدفاع وصد الاعتداء.. قالوا: «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً»، قلنا: «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» قالوا: «وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا»، قلنا: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ» قالوا: «وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ» قلنا: «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» قالوا: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ» قلنا: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» قالوا: «وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ» قلنا: متشابهات.. قالوا: آيات السيف فى المدينة نسخت آيات السلام بمكة، قلنا: كيف يُهادن الإسلام الديانات الأخرى فى بداية الدعوة، فهذا النجاشى النصرانى لا يُظلم عنده أحد، وفى المدينة قالوا: «إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ» و«وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ»، هل يستقوى الدين بدين فى استضعافه؟.. قالوا: هذا حق وتقية ومباحٌ فى فترة الاستضعاف، فإذا اشتد عودنا تكون «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ». قلنا: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا»، قالوا: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ» قلنا: يبدو خلاف بين قرآن مكة وقرآن المدينة. قالوا: «كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ» قلنا: «من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن» قالوا: «جئناكم بالذبح».
لن يُجدى مع هؤلاء حديث؛ فلقد مللناهم وملّونا، لكنى سأرد عليكما بفرشة جديدة تهدم الكل وتقوضه بعضه على بعض:
1- الفرشة الأولى العقل: يقول ابن تيمية: «الرسل إذا أخبروا بشىء لم نتصوره ولم يقبله العقل وجب تصديقهم به»، أى: بالعقل؛ لأن دلالة النبوة بدأت بالعقل، وأن ظاهر النص إذا تعارض مع العقل والمنطق وجب الأخذ بالأمر، كمن دخل بيتاً بإرادته وعقله وجب عليه تنفيذ أوامر صاحبه بلا عقل أو تفكير.
وأتساءل: هل للرسول بأمر لا يُتصور وغير عقلانى؟ وهل الامتثال فى زيارة بيت لمرة واحدة يُصبح التكليف قائماً لمن أقام واستأجر؟ وهل رفض أمر يخالف العقل مناط التفكير والحساب والعقاب الإلهى يُبعدنى عن دائرة الإيمان «مقبول فى العبادات لكنه غير مقبول فى أمر الدنيا»؟ فإذا كان اختيارنا للإسلام لعدله ورحمته ومحبته للعباد «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» فكيف يقبل العقل نقض العهد والميثاق ويقبل بضاعة اشتراها خالفه البائع فيها العهد؟ وما اشتراه على حق باعه على باطل، ودخله بالعقل وسلبه، وأمره بالعدل وظلمه، وأحب رحمته حتى بالبهائم فأدخل امرأة النار فى هرة وأدخله الجنة فى قتل إنسان برىء بغير حق، قال فيه ربى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً»، هذا الإله العظيم خالق الأديان اختص كل أمة بدين، ولو شاء لجعل القلوب كلها على دين واحد؛ فالخلاف أمر الله، والتعدد رغبته «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا».
النص يا صديقى لا بد أن يكون دليلاً على صدق النبى وصدق رسالته واتفاقها مع المنطق والعقل والعهد الذى وافقنا عليه من محبة وخير وسلام، فإذا خالف ظاهر النص الواقع والعقل وجب علينا البحث فيمن قال ومن كتب ومن نقل ومن أضاف ومن شرح أو فسر أو أخرج من السياق.
يا صديقى.. الإمام على فى نهج البلاغة يقول: «لا يقولن أحدكم أعوذ بك من الفتنة لأنه ليس أحد إلا وقد اشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن، فإن الله يقول: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ».
البقية الجمعة المقبل.