هل تعرف مليكة مزان؟
إنها شاعرة مغربية محدودة الشهرة والتأثير، وناشطة نسوية تعتمد على الصدمات والإثارة لإيصال أفكارها والتعبير عن مواقفها.
لكن تلك الشاعرة ذات الأصول الأمازيغية باتت أكثر شهرة من أى وقت مضى، وتصدرت أخبارها وسائل الإعلام على مدى الأسبوع الماضى، ليس لأنها أصدرت ديواناً جديداً، أو لكونها أطلقت مبادرة للدفاع عن حقوق المرأة فى بلادها، ولكن لأنها عرضت تقديم خدماتها الجنسية للجنود الأكراد الذين يقاتلون تنظيم «داعش» فى العراق.
تقول «مليكة» إنها تريد أن تدعم مواقف الجنود الأكراد الذين يواجهون إرهاب «داعش» عبر توفير المتعة لهم، بما يمكّنهم من مواصلة القتال على نحو جيد.
وتبرر عرضها هذا بكونه محاولة لتطوير آليات «نكاح جهاد مضاد»؛ إذ «يستمتع مقاتلو (داعش) الإرهابيون بالنساء مع أنهم مجرمون على باطل»، فيما «لا يستمتع المقاتلون الأكراد بالنساء مع أنهم شرفاء يقاتلون فى المعركة الصحيحة».
تنزلق المرأة هنا إلى مكانة مبتذلة بين «نكاح» و«نكاح مضاد»؛ وهو أمر أسوأ من أى كابوس يستهدف نضالاً حقوقياً استمر لأكثر من قرن من أجل تأمين حقوق النساء فى عالمنا العربى.
ليس هناك ما هو أسوأ من الأنباء التى تتحدث عن «نكاح الجهاد» فى الأراضى التى تنشط فيها «داعش» سوى ما أتت به السيدة «مليكة»، وليس أسوأ من الاثنين سوى واقع المرأة العربية فى ظل تطورات ما عُرف بـ«الربيع العربى».
لقد جاءت مبادرة «مليكة» من المغرب كرد فعل على تصاعد الأنباء الآتية من تونس عن تدفُّق شابات تونسيات إلى الأراضى التى تقاتل فيها «داعش» من أجل توفير المتعة للمقاتلين، وهو الأمر الذى اعترفت به وزارة الداخلية التونسية.
يحدث ذلك فى الوقت الذى تراجعت فيه المكاسب الحقوقية التى حققتها المرأة فى تونس وليبيا على مدى السنوات السابقة على اندلاع ثورات ما عُرف بـ«الربيع العربى»؛ مثل «الكوتة» التى كانت مخصصة للمرأة فى ليبيا للمشاركة فى المجالس التشريعية، والقيود التى كانت قائمة على تعدُّد الزوجات فى تونس على سبيل المثال.
ليست هذه هى كل الخسائر التى مُنيت بها المرأة فى دول التغيير العربى، لكن الإشكال الأكبر يتمثل فى تردى الأوضاع الأمنية، وتزعزع سلطة الدولة، وتراجع الأمن، وهو الأمر الذى يُغرى باستهداف الفئات الضعيفة.. والمرأة فى مقدمة المستهدفين بطبيعة الحال.
الأخبار التى تأتى من الأراضى العراقية بخصوص المعركة التى يشنها تنظيم «داعش» ضد «الإيزيديين» مؤلمة وقاسية للغاية. تشير الوقائع إلى عمليات قتل منهجية، وتهجير قسرى، ونزوح عشوائى، وخطف وسبى آلاف النساء والأطفال.
تتعرّض النساء «الإيزيديات» لعمليات استهداف منهجية من قِبل التنظيم الإرهابى، ويتم خطفهن، والاعتداء عليهن، واغتصابهن، ثم بيعهن فى الأسواق كسبايا، وفق ما أفادت به تقارير موثقة عديدة.
أوضاع المرأة السورية أيضاً بدت من سيئ إلى أسوأ، خصوصاً فى المناطق التى سيطرت عليها تنظيمات المعارضة «المتأسلمة»؛ مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما.
فى مصر أيضاً تتزايد المشكلات التى تواجهها المرأة، خصوصاً مع تصاعد جرائم التحرّش الجنسى، والاعتداء على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى تسخيرها من قِبل الجماعات «الإسلاموية» كدروع بشرية، أو «آلية أكثر نجاعة للتظاهر»، أو استخدامها فى الترويج للفكر الإرهابى ومحاولة النيل من استقرار الدولة.
لقد خلص استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «طومسون رويترز» فى العام الماضى إلى أن ثلاثة من بلدان التغيير العربى؛ هى مصر واليمن وسوريا، احتلت أسوأ المراتب فى قائمة الدول التى ترعى حقوق المرأة فى المنطقة، وهو أمر يُلقى بظلال قاتمة على مجمل التغيرات التى جرت منذ اندلاع الثورات.
لن يكون هناك «ربيع» من دون حقوق، وكرامة تُصان، وأمن، وكفاية، لكل امرأة فى عالمنا العربى.