لعلك تذكر المجموعات الملثمة التى ظهرت قبل موجة ثورة يناير الثانية فى 30/6 وأطلقت على نفسها «البلاك بلوك» ووصفت أعضاءها بـ«درع الثورة» الذى يحمى تظاهراتها من هجمات الإخوان حينذاك. وكما ظهرت فجأة اختفت مجموعات «البلاك بلوك» فجأة بعد 30/6 دون أن نعرف، على وجه التحديد، من الذى يقف وراءهم، وماذا كانت أدوارهم بالضبط داخل الأحداث التى تفاعلت خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2013!
هذه الأيام أطلت علينا مجموعات أخرى ملثمة ذات أهداف مختلفة، لن أحدثك بالطبع عن الجماعات الإرهابية التى تعود أفرادها على التلثم، بل عن مجموعة أخرى لافتة بعض الشىء بدأت فى الظهور، هى مجموعة «ضنك»، التى تزعم أنها تشكلت بغرض مقاومة الغلاء وسوء الأحوال المعيشية الذى يعانى منه المصريون، بسبب رفع الدعم، وتردى مستوى الخدمات بصورة جعلت حياتهم «ضنك». وكلمة «ضنك» كما تعلم معناها الفقر. وقد دشنت هذه المجموعة لنفسها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى أخذت تشرح فيها أهدافها، وتغذيها بأخبارها، وتعرض بعض الفيديوهات لتظاهرات محدودة العدد للغاية يقوم بها أفرادها. وهى تحاول الحشد للقيام بتظاهرات رافضة للأوضاع الحالية يوم 9/9/2014.
وكما اتهمت الإخوان جهات عديدة قبل 30/6 بالوقوف وراء مجموعات البلاك بلوك، اتهم كثيرون الإخوان بالوقوف وراء «ضنك»، وهو أمر طبيعى لأن الإخوان هى الخصم الأكبر لنظام ما بعد 30 يونيو. وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذا الكلام أجد أن هناك فرقاً بين مجموعات تدعو إلى التظاهر من أجل تحسين مستوى الأوضاع المعيشية، ومجموعات أخرى تدعو إلى حمل السلاح. وربما رد البعض على ذلك بأن الإخوان يعملون على المستويين: المدنى والمسلح فى خصومتهم مع النظام الحالى. وبعيداً عن هذه التخمينات التى لا توجد معلومات دقيقة تساندها أو تنفيها فإننى أود التنويه إلى أمرين.
الأمر الأول أن من يطالب بأمور مشروعة مثل: تدخل الحكومة لضبط الأسعار بالأسواق، أو رفع مستوى الخدمات المتدهور ليس فى حاجة إلى «التلثم» أو الاختفاء وراء قناع. قد يقول إنه يخشى من تربص الأمن به، وهو كلام من غير المنطقى أن نسمعه من شخص ينوى التظاهر فى الشارع، إذ ليس من المعقول أن يتظاهر بلثام. على هذا الشباب إذا كان لديه إيمان حقيقى بما ينادى به أن يخلع القناع ويخرج إلى الناس ويهتف بما يريد، ما دام ينادى بأمور مشروعة، وعليه أن يتعلم أن شباب ثورة يناير كان يدعو إلى خلع مبارك عينى عينك، وهو الأمر نفسه الذى فعله شباب «تمرد» قبل عزل مرسى.
الأمر الثانى أن تعدد وتنوع هذه المجموعات يعطينا جرس إنذار بتحول خطير بدأ يتسرب إلى المجتمع المصرى ينذر بتحوله إلى مجموعات متناحرة ومتطاحنة، وهو أمر يجب أن يبادر صانع القرار إلى حله والتعامل معه ووضعه على رأس أولوياته، وأقصد بالتعامل هنا التعامل السياسى الذى يعالج، بحرفية، الأسباب التى أدت إلى ظهور هذه المجموعات. والعاقل يجب ألا يستهين بصغر حجم هذه المجموعات أو ضعف قدرتها على الحشد، لأن من يفشل اليوم قد ينجح غداً إذا توافر السياق اللازم للنجاح، وكلنا يعلم ظروف بلادنا.. عظيم النار يأتى من مستصغر الشرر!