يحظى المصريون بترتيب متقدم عالمياً فى استهلاك عقار الأسبرين علاجاً لصداع الرأس، الذى ينجم عن أمراض كارتفاع ضغط الدم أو الأنيميا، أو التى تتعلق بأعضاء كالعين والأذن والأنف، إلا أن سببه الأهم يعود إلى مشاكل نفسية مرتبطة بالتعامل والعلاقات مع الواقع والأفراد (اجتماعية)، وكلما كانت هناك صعوبات ومعوقات وفشل فى إدارة الصراع مع الواقع والمجتمع، وكلما كانت قدرة الفرد وفرصته فى تحقيق أهدافه وإشباع رغباته وطموحه أقل، كانت إصابته بالإحباط والضجر والصدمة والكرب أكبر، فالمواطن مثلاً الذى يعجز عن الإنفاق وتلبية متطلبات أهله، أو هذا الأب الذى مات وليده فى الحضّانة أو ماتت أمه فى العناية المركزة أو العمليات بسبب انقطاع الكهرباء، سيظل خصيماً لهذا المجتمع، وستظل تلك الذكريات تنغص راحته وسعادته، وحتى هذا الرجل الذى تلفت بضاعته من الآيس كريم لنفس السبب وانصرف عنها الأطفال سيشعر بالألم.
نادراً ما كانت علاقة المصريين بحكوماتهم ودولتهم سبباً للشعور بالرضا أو الارتياح أو السلام، كما أن علاقة المصريين ببعضهم صارت باباً للشك والغضب واللدد فى الخصومة، لأن القوانين التى تفصل وتحكم بينهم وتنهى صراعاتهم بعدالة ظاهرة وسريعة تعمد فى حقيقتها ونصوصها المكتوبة وطرق تفعيلها وتنفيذها إلى تغذية الصراع وإطالة أمده لأقصى مدى، مما يجلب قدراً أكبر من التعاسة. لقد صاغ هذه القوانين منذ مهدها الأكثر قوة وقدرة على الانتفاع من عدم تفعيل العدالة.. رجال السلطة المستبدة ونوابهم المزيفون فى البرلمانات المصطنعة، التى لم تمثل الشعب إلا أياماً معدودات. صاغوها متضاربة عمداً لتعطيهم وأتباعهم صكوك البراءة والشرف فى نهاية المطاف.
خلقت هذه القوانين التالفة التى تشبه الغربال واقعاً ساهم فى طعن الأخلاق القويمة والعدالة الواضحة وكرست العداوات بين الناس وإحساس الظلم، حتى لهؤلاء الذين لم يخبروها مباشرة ولكنهم سمعوا وشاهدوا وتيقنوا مما يحدث لأقرانهم فسيطر القلق والخوف عليهم مما قد يحدث لهم إن وقعوا فى صندوق العدالة هذا. إحساس اليأس والأسى ينتقل أيضاً لمن يرى الظلم لأنه يشعر بالضعف وقلة الحيلة فى منعه، وفى النهاية يحظى المصريون بترتيب عالمى متقدم جداً (الأول؟) فى مستوى التعاسة وعدم الرضا.
وفى الوقت الوجيز الذى أحسوا فيه بالأمل والفرح والفخر والقوة من قدرتهم على إنهاء حكم ظالم وناهب بثورتهم ضد الاستبداد والفساد فإن هذه المشاعر الاستثنائية خبت، فى ظل عدم تحقيق العدالة ضد أى من فاسدى مبارك الذين تتوالى براءاتهم تباعاً وسريعاً، وتعفيهم أموال نهبوها من الجريمة ومن العقاب مما لا يشفى صدور قوم منهوبين، وتؤكد انتصار طبقة الزئبق التى استكملت قيادتها وسلطتها وفعاليتها.
ويزيد الإحباط مع عدم تحقيق أى تقدم ملموس وحقيقى فى مجال العدالة الاجتماعية والتقريب بين الأغنياء والفقراء، بل زيادته بتخفيض الدعم وزيادة الأسعار التى تسبب مزيداً من التعاسة مع كل سلعة يشتريها المواطن بالسعر الجديد ولم يزد دخله.
يقترن هذا بتقليص الحريات والتعبير وتجريم حق التظاهر الأصيل والتراجع عن تفعيل الديمقراطية وإلقاء القبض التعسفى على مواطنين، وتعذيب وقتل بعضهم فى أقسام الشرطة، ثم إثارة الشك فى حقيقة الفصل بين السلطات فى ظل صدور أحكام بالإعدام على مئات فى فترة محاكمة وجيزة.
حتماً سيسعد المصريون كغيرهم.