من ينظر إلى المشهد عن قُرب، سيعتقد لا شك أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما هو الخاسر الأكبر فيما يُسمى «الربيع العربى»، الذى تغيّرت أشكاله من «ربيع التحرير» إلى «ربيع الإخوان»، وأخيراً إلى «ربيع داعش». لكن الإنصاف يقتضى رؤية المشهد من أعلى، لنكتشف حقيقة أن «أوباما» هو أنجح رئيس فى تاريخ أمريكا القصير. وليس عليك لتكتشف ذلك سوى بسط خريطة العالم أمامك، لترى ما فعله «أوباما» منذ توليه الحكم.
فى الشرق الأوسط، قضى «أوباما» بمساعدة الدلدول الفرنسى على نظام معمر القذافى العبيط، ووضع بدلاً منه الإخوان ومعهم ميليشيات إرهابية مسلحة، ليضمن سيطرته على حقول النفط فيها. وفى تونس أطاح بالرئيس الفاسد زين العابدين بن على، ووضع بدلاً منه الإخوان أيضاً. وفى المغرب نجح فى إخراج التيارات الدينية المتطرفة من جحورها إلى السلطة لتكون شريكاً للملك.
وفى السودان، نجح فى تقسيمه إلى شمال وجنوب، ثم أشعل حرباً أهلية فى الجنوب الجديد، ولا يزال يدعم سراً نظام «البشير» الإخوانى الإرهابى، مع دعم سرى آخر لمتمردى دارفور حتى تستمر الدماء. ونجح «أوباما» فى القضاء على ما تبقى من العراق، من خلال إطلاق وحوشه الأمريكانى التى تُسمى «داعش» لتمرح شمالاً وجنوباً، ودعم النزعات الانفصالية لدى الأكراد، وحوّل سوريا إلى حديقة حيوانات كبيرة يتصارع فيها القتلة: «الأسد» مع «جبهة النصرة» مع «داعش»، لتنتهى بذلك أسطورة الجيش السورى بعد انتهاء أسطورة الجيش العراقى.
فى اليمن، توجد قاعدة أمريكية باسم مستعار «القاعدة»، مع دعم عسكرى ومالى لجماعات الحوثيين الشيعية. وبعد عقود من الكراهية، تصالح «أوباما» مع إيران ومنحها هى الأخرى مساحة للعب فى المنطقة، وبعد أن كانت إسرائيل هى الحليف الوحيد لواشنطن فى الشرق الأوسط، صنع «أوباما» حلفاءً جدداً بينهم قطر وتركيا وحماس. ووجه ضربة قاصمة لغريمه الروسى فلاديمير بوتين، عندما انتزع منه السيطرة على أوكرانيا.
ولا تزال مصر نقطة الإخفاق الوحيدة لـ«أوباما»، فالإخوان الذين وضعهم «أوباما» بمعاونة الأغبياء منا على مقاعد السلطة، أعادهم الشعب إلى السجون. والإرهابيون الذين وضعتهم أمريكا فى سيناء، يتولى جيش مصر مهمته فى القضاء عليهم رغم الشهداء الذين يتساقطون يومياً. ومع ذلك فإن «أوباما» لا يزال يقاتل كرجل فى معركته مع مصر، من خلال جسر الأسلحة والإرهابيين والقتلة الذين يرسلهم إلينا كل يوم، ومن خلال كلابه الإخوانية المسعورة.
بعد كل هذا الخراب، ليس منطقياً أن نظلم «أوباما» ونصفه بالفاشل، فالحقيقة أن لوحة الخراب التى صنعها، ونجاحه فى نشر الفوضى فى كل بقاع الأرض، تجعله أفضل رئيس.