«إيه اللى رماك على الحفر؟» بسبب «وقف الحال» ومن أجل الزواج والديون
يدور الهواء الساخن على غير هدى، يعبث برمال الصحراء ويرميها فى وجوه يوارب أصحابها أجفانهم خوفاً من الغبار ورغبة فى بصيص من الرؤية.. شعور جافة، ووجوه كالحة شاحبة، وثياب متسخة بالتراب رسمت تحت إبطها وعند الصدر خرائط بملح العرق الجاف.. حالة لا يُحسد عليها العاملون فى حفر قناة السويس الموازية، الذين بدأوا أعمال الحفر منذ الخامس من أغسطس الحالى. ورغم تلك الحالة فإن فكرة ترك مواقع الحفر غير مطروحة لدى الغالبية العظمى من العمال وسائقى «البلدوزرات».
«مفيش شغل فى البلد» مقدمة يلجأ لها «عبده»، أحد سائقى سيارات النقل بالموقع، مبرراً انضمامه لعام كامل لمشروع حفر القناة فى مكان تقل فيه الخدمات الأساسية، خصوصاً مع قلة المياه الصالحة للشرب وعدم وجود مراحيض عامة أو كهرباء للإنارة الليلية. ويقول عبده محمد، الوافد من الشرقية: «معانا عربية بنشتغل عليها فى مشاريع تانية لكن ده شغل مستمر لمدة سنة كاملة». يعتزم «عبده» الزواج بعد الانتهاء من المشروع: «أنا لسة شاب أعزب، مش متجوز، وبإذن الله ربنا يرزقنى وأقدر أتجوز بعد السنة دى ما تخلص».
السيد محمد، الطباخ لدى إحدى شركات المقاولات، يمنّى نفسه هو الآخر بنهاية سعيدة لعمله فى مشروع حفر قناة السويس الموازية: «كنت شغال فى الشروق فى الفرع التانى للشركة، ولما عرفنا إن الشركة هنا هتبدأ فى العمل فى القناة قلنا نشارك فى مشروع للبلد، وبشكل شخصى عاوز أبنى مستقبلى لأنى بخلص فى شقتى وناوى لما المشروع ينتهى تكون نهاية سعيدة بإنى أتجوز بإذن الله» يقول الطباخ.
يأمل سليمان محمود، كاتب لدى إحدى شركات المقاولات القائمة على المشروع، فى أن توفر الدولة فرص عمل ثابتة للعمال المشاركين فى الحفر ويقول: «إحنا شغالين على أمل إن الحكومة إن شاء الله تخلى الأولوية للعمال اللى شاركوا فى حفر القناة، بحكم إن المشروع قام على أكتافهم، ويكونوا عمالة ثابتة فى هيئة قناة السويس بدل ما همّا عمالة مؤقتة يشتغلوا يوم وعشرة لأ».
لا تتوافر كل الخدمات للمعدات والآلات والسيارات فى موقع الحفر، ما دفع بعض أرباب السيارات إلى استقدام بعض الحرفيين من الميكانيكيين و«عمال الكاوتش»، ومن بين هؤلاء محمود عساسى، ميكانيكى من مدينة المنزلة، الذى يقول: «وجودى هنا مع شركة من الشركات اللى شغالة فى حفر قناة السويس علشان لو حصلت أى أعطال فى العربيات أكون معاها أصلحها»، ورغم ذلك لا توجد أعطال جسيمة فى معدات الحفر ونقل الردم مما يسّهل المهمة على «عساسى» وغيره من الميكانيكية الوافدين إلى المكان.
الأمر ذاته ينطبق على محمود حمدى، فنى الكاوتش، الذى استقدمه أحد المقاولين إلى موقع الحفر لصيانة «كاوتشات» السيارات واللوادر: «أى مشكلة بتحصل فى الكاوتش بتاع اللوادر أو العربيات مهمتى تصليحها، وببدأ فى أعمال التصليح من الصبح مع بداية اليوم من الساعة 6 الصبح، ومفيش غير ساعة الغدا اللى بنوقف فيها الشغل وبعدين نكمل الشغل». يزداد ضغط العمل على فنيى التصليح والحرفيين فى مواقع الحفر لندرتهم، بخلاف السائقين الذين يتناوبون ورديات العمل على سيارات النقل واللوادر فيما بينهم.
يطمح العشرات يومياً فى الدخول لموقع الحفر من أجل إقامة مطعم أو مقهى أو «كانتين» صغير لبيع الأطعمة والأشربة، مستفيدين من نقص وجود هذه المقاهى والمطاعم بجوار نقاط الحفر ما يضطر بعض العمال للانتقال إلى قرى محافظة الإسماعيلية المجاورة كقريتى التقدم والأمل لشراء وجبات دسمة ومياه نقية باردة. لكن الكثير ممن يطمحون فى إقامة مطاعم أو مقاهٍ فى موقع الحفر يصطدمون بعقبات الحصول على تراخيص من جهات أمنية واستخباراتية.
ويقول عبده رزق، الطباخ لدى إحدى الشركات بالموقع، إنه جاء من مسقط رأسه من سوهاج سعياً وراء الرزق، وتوفير المال الكافى للإنفاق على أسرته وأبنائه الخمسة فى مراحل التعليم المختلفة: «معايا ابنى الكبير فى معهد دمنهور، وبنت متجوزة، وولد فى الجيش، وبنت بتدرس فى كلية علاج طبيعى، وولد فى تالتة إعدادى، بصرف عليهم»، لكن اللافت أن «رزق» لم يكن طباخاً يوماً: «أنا شغال أصلاً نجار مسلح لكن مفيش هنا شغل للنجارة، فلما جيت هنا سألت على أى شغل، قالوا لى بتفهم فى الأكل قلت أيوة، فاشتغلت طباخ مع شركة من الشركات، والشغل مش عيب». وربما يكون حظ «رزق» أوفر من غيره ممن يتوافدون إلى مواقع الحفر لطلب فرص عمل لدى المقاولين.
يؤمن «رزق» بأهمية المشروع الذى ساقته قدماه للمشاركة فى إتمامه: «المشروع ده لو تم على خير هيبقى قدامه أمل لأولادنا وأولاد أولادنا، إحنا معندناش أى أملاك وعشمانين بقى فى الرئيس السيسى يديلنا خمس فدادين أرض إذا كان هيوزع على حد حاجة».
يمتلك حسين حمدان بضع سيارات نقل دفع بها جميعها إلى موقع حفر القناة الجديدة، بدعوى الوطنية، بحسب قوله: «جايين نساعد مصر بعربياتنا فى حفر القنال.. لازم نساعد مصر بأى حاجة بعربياتنا وأموالنا وجهدنا وكل حاجة نقدر عليها» لكن فى المقابل، هناك من دفعتهم ديونهم إلى قبول العمل فى صحراء شبه الجزيرة لكسب أموال تعينهم على سداد تلك الديون، أحمد الأعسر يقول إن ديونه دفعته إلى المشاركة فى أعمال الحفر ضمن كثيرين من السائقين، أما وائل حمدى فيحاول مع أقرانه من محافظة سيناء إثبات أن أهل سيناء «أولى بثقة الدولة»، فيقول: «جايين نشتغل ونثبت للسيسى ولكل العالم إن شباب سينا أولى بثقتهم».
تتعدد الأمانى والأسباب التى ساقت هؤلاء العمال المعدودين بالآلاف إلى موقع الحفر الصحراوى فى مهب الرمال ونقص الخدمات.. لكنهم وإن كانت مبرراتهم للمشاركة فى ذلك العمل مختلفة فإن رغبة كل منهم فى إتمام مهمته بنجاح لا تقل عمن سواه.
ملف خاص
«دولا ولادنا الشقيانين»
«نوبة الصحيان» فى الفجر والنوم بعد العشا
«العقارب والألغام والعفاريت» اللى يخاف ما يشتغلش
من قلب «خيمة مجهزة» المسعفون: إحنا اللى بنعالج العمال
من جاور السعيد.. يُرزق
عمال يشكون عدم تقاضى رواتب: ما خدناش «نكلة» من 3 أسابيع