فى أربعينات القرن الماضى قام العالم -الشاب آنذاك- إبراهام ماسلو بنشر ورقته العلمية الأشهر، التى تعتبر حجر الأساس لمعظم علوم التنمية البشرية المستحدثة من وقتها وحتى الآن، كانت نظرية التحفيز الإنسانى أو هرم الاحتياجات التى قلبت هذا العلم الوليد رأساً على عقب، لقد رأى فيها أن الناس عندما يحققون احتياجاتهم الأساسية يسعون إلى تحقيق احتياجات ذات مستويات أعلى، كما يرتبها هرم ماسلو.
تقول هذه النظرية إن الإنسان يعمل من أجل تحقيق خمس حاجات رئيسية لديه هى:
الاحتياجات الفيزيولوجية مثل: المأكل والملبس - الأمن والسلامة.
الاحتياجات الاجتماعية: التقدير- وتحقيق الذات.
واشترط ماوسلو أن الإنسان لا يبحث عن الاحتياج الأعلى فى الشكل الهرمى الذى صور فيه هذه الاحتياجات إلا بعد أن يحقق الإشباع الكافى فى الاحتياج السابق له، فهو لا يبحث عن تحقيق الذات إلا بعد أن يشبع احتياجاته الفسيولوجية والأمنية والاجتماعية.
لقد ظهرت نظريات متعددة بعد نظرية هذا العالم الشاب تحاول تطوير الفكرة، منها ما قال إنه يمكن للإنسان البحث عن أكثر من احتياج فى وقت واحد بالتوازى، ولكن لم يدحض أحد حتى الآن هذا الهرم الذى بناه ماوسلو. البعض لا يحب «ماسلو»، وكثيرون يتوجسون خيفة من كل من يحمل اسم «إبراهام» فى العالم العربى، ولكن ياليتهم يقرأون ما يهابونه!
نحتاج كثيراً أن يتفهم صانع القرار فى مصر هذا الهرم الإنسانى، فالمواطن المصرى لم يخرج من الدرجة الأولى للهرم منذ عقود طويلة، فهو يدور فى الدائرة المفرغة للبحث عن احتياجاته الأساسية، دون أن يتمكن من تحقيق الإشباع الكافى الذى يجعله يقفز للدرجة الأعلى، وهى بحثه عن الأمن.
والواقع أن الحكومة ترى أن الأمن هو الأساس، فتكرس كل مجهوداتها فى توفيره، حتى وإن عجزت عن أن توفر الدرجة الأولى من الهرم، التى تتضمن قطعاً بجوار المأكل والملبس، توفير الكهرباء! تطلب منا الحكومة أن نعمل وننتج، ولكن يبدو أن أحداً من أعضائها لم يسمع عن ماسلو من قبل، كيف يمكن للإنتاج أن يزداد فى ظلام يستغرق أكثر من نصف اليوم فى العاصمة العريقة، ووزير الكهرباء يخرج مبتسماً على شاشات التلفاز ليعد «بعدالة فى توزيع انقطاع التيار»؟!
كيف يمكن أن نصبح «قد الدنيا» ونحن لم نخرج عن دائرة البحث عن توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن، ونلقى بالمسئولية عن كاهلنا لنتهم قوى أخرى شريرة، بتعطيل مسيرة التقدم؟! نحتاج أن تفهم الحكومة أن «عدالة» فى التقصير عن أداء مهمتها ليست «عدلاً»، وابتسامة سيادة الوزير وهو يعلن عن تلك العدالة ينبغى أن يستبدل بها نظرة خزى!! وأن تحقيق الذات والإنتاج يتطلب أن يتوفر للمواطن حاجته الأساسية أولاً، وأن التحفيز وبث الحماس فى النفوس يتطلب ألا يتم تصدير الإحباط إليها فى نفس الوقت، حين ينقطع التيار!!
لقد سأل البعض ابن العثيمين يوماً عن إن كان لحم البطريق حلالاً أم حراماً.. فكان رده «إن وجدته فكله»!!
كم كان بليغاً!
عزيزى المسئول، كلنا نريد أن نعمل وننتج، فقط إن وجدنا نوراً، لنرى ما نعمله!