لماذا كانت «إيلا» تشعر بالوحدة رغم وجودها وسط أبنائها وزوجها؟!! بل كانت تستغرب نفسها كونها توّاقة إلى الحب فى قرارة نفسها؟!
أسئلة لم تجد لها إجابة!! وأنا أرى لها رسائل: أن الوحدة أو الأنس لا علاقة لهما بالمحيطين بك بل لهما كل علاقة بوجدانك أنت، ربما تجلس وحيداً ولكنك أبداً لا تكون وحيداً والعكس، وكذلك ملاحقة الحب ومحاولة الحفاظ عليه هما سبيل الإنسان الوحيدة للحفاظ على روحه دون تلف أو عطب؛ فالحب هو إكسير الحياة وترياق سمومها.
لقد ثبت فى ذهن «إيلا» وهى ترى مدونة «عزيز» للمرة الأولى عبارة كتبت تحت صورة درويش راقص بجلباب أبيض: «قشرة بيض تدعى الحياة»، وقصيدة تبدأ بـ«ليختر أحدنا الآخر رفيقاً له وليجلس أحدنا عند قدمى الآخر ففى داخلنا الكثير من الانسجام - ولا تظنن أننا ما نراه فحسب». ما أبلغ وأعمق تلك الرسائل فلتتلقوها معى: قشرة بيض هى الحياة، تلك القشرة الهشة الغاشة الخادعة سريعة التلف الرقيقة الضعيفة التى تخفى حقيقة وقيمة ومعنى الحياة. ولكن ماذا عن اختيار الرفيق والانسجام؟ وبهذا الخصوص رسالتى: الرفيق هو سر راحة النفس واستقرارها فعلى الطيور تقع أشكالها وإن ضللت فى اختيار الرفيق ضلت روحك وشقت وتألمت كسمكة حية على صفيح ساخن؛ فالرفيق قبل الطريق والمرء على دين خليله فاختر خليلك لتنعم بدنياك وأخراك ولا تقف عند الصفات الظاهرة فنحن لسنا ما نراه وحسب فخلف الوجوه والأقنعة تختبئ الحقيقة فانظر دائماً خلف الصورة وعبرها لترى ما خفى واختفى.
وتستمر ألغاز وفلسفات «عزيز زاهارا»، مؤلف رواية «الكفر الحلو» على مدونته، تلك المدونة التى عبثت بقلب ووجدان وروح «إيلا» التى لم تعد كما كانت قبل قراءتها أبداً، فقد كتب «عزيز»: مهما كنا أو حيثما كنا نعيش، فإننا نشعر فى قرارة أنفسنا بأننا غير كاملين كما لو كنا فقدنا شيئاً ويجب أن نستعيده، لكن معظمنا لا يعثر على ذلك الشىء أبداً، أما الذين بإمكانهم العثور عليه فلا يجرؤ منهم إلا قلة قليلة على الخروج والبحث عنه.. ورسالتى هنا: أن اذهب وابحث عن نصفك المفقود وائتِ به ولكن يلزمك الجرأة وليكن هذا الشىء المفقود ما يكون، حباً، عشقاً، حلماً، مجداً، نصراً، قلبا يدق معك على نفس نغمات أوتار قلبك، أو عشقاً لكيان أعظم من كل موجودات الكون.. المهم أن تختار رفيقاً وتنطلق فى البحث عنه... هيا ابدأ ولا تضيع الوقت فالحياة قصيرة.
قرأت «إيلا» قصيدة للرومى كتبت على مدونة «عزيز» تقول: «اختر الحب! الحب! فمن دون حياة الحب العذبة تمسى الحياة عبئاً ثقيلاً - كما ترى». وهنا وصل إلى «إيلا» شعور سَرَى فى وجدانها بأن هذه المدونة جُعلت خصيصاً لها، وارتاحت «إيلا» للفكرة الغريبة وهنا جلست جلستها فى صومعتها التى عاشت بها سنوات زواجها العشرين وبدأت تكتب قواعدها الخاصة بها ولكن بروح ساخرة من ذاتها وكأنها قررت إيلام «إيلا» التعيسة وبدأتها هكذا: «القاعدة الأولى: كفى عن البحث عن الحب، توقفى عن الجرى وراء أحلام مستحيلة! فمن المؤكد أن فى الحياة أموراً أهم بالنسبه لامرأة متزوجة شارفت على الأربعين»!!
نفضت «إيلا» كل أفكارها وذهبت لتحادث ابنتها هاتفياً وما وجدتها فتركت لها رسالة على الهاتف بأنها تعتذر عما بدر منها، وفى نهاية التسجيل تعترف بأنها امرأة تعيسة وتغلق الخط متسائلة «ترى أكانت تعيسة ولا تعلم من قبل؟»!! وهنا رسالة: سواء كنت تدرى بتعاستك وتراقبها بألم أو كنت غافلاً فكانت التعاسة هى من تراقبك فعليك إيقاف هذه المهزلة على الفور، فلتعشق ذاتك وتخشَ عليها؛ فنفسك وروحك هما الأوْلى، من كل الناس، ببرّك ورعايتك...
(يتبع)