انتهيت بك أمس إلى أن نهاية الخلافة الأموية ترافقت مع ظهور مروان بن محمد، الملقب بـ«الحمار»، لتنشأ الدولة العباسية على يد أبى العباس «السفاح». وطيلة هذا التاريخ، وكذلك خلال العصر العثمانى، لم يجرؤ أحد على الإقدام على نقد «الخلافة» كنظام للحكم فى الإسلام، حتى بادر الشيخ «على عبدالرازق» إلى تسطير كتيبه المعنون بـ«الإسلام وأصول الحكم»، الصادر عام (1925)، وطرح فيه وجهة نظره، التى تذهب إلى أن الخلافة -بالكتاب والسنة والإجماع- ليست أصلاً من أصول الحكم فى الإسلام. وحول هذا الكتاب دارت رحى أكبر معركة فكرية فى تاريخنا، وبالتزامن مع هذه المعركة كان حسن البنا قد شرع فى تأسيس جماعة الإخوان، وجعل رسالتها الأساسية «استعادة الخلافة»، بعد أن اتخذ مصطفى كمال أتاتورك، رئيس تركيا، قراراً بإلغاء الخلافة العثمانية 1924.
ولم يكن إلغاء الخلافة بالأمر السهل على الدول الإسلامية التى تعودت على وجود ما يسمى بخليفة المسلمين، فأصبح الشغل الشاغل لحكام المسلمين ومشايخ قصور الحكم هو حل تلك المشكلة. طمع الملك فؤاد، ملك مصر، فى المنصب، وأراد أن يصبح خليفة للمسلمين. وكانت إنجلترا قد مهدت لهذا الأمر حين دخلت الحرب العالمية الأولى ضد تركيا، فغيَّرت لقب حاكم مصر من «خديو» إلى سلطان، كنوع من التحدى للسلطة العثمانية، ولقِّب «فؤاد» بهذا اللقب قبل أن يتحول إلى «ملك»، ويبدو أن حلم الخلافة كان يداعب خياله هو الآخر. كان كتاب «على عبدالرازق» تأسيساً نظرياً للمعسكر المناوئ لفكرة الخلافة، كما كان حسن البنا والإخوان جزءاً من المعسكر المساند. ومن اللافت أن يأتى نفى هذه الفكرة وكشف الجانب «الصنمى» فيها على يد شيخ وعالم أزهرى أصيل، فى حين ساندها من ليس له صلة مباشرة بالعلوم الشرعية، وهو الأمر الذى يمنحك مؤشراً مبدئياً عن قيمة ما طرحه كل من الرجلين فى مجال الدفاع عن أو الوقوف ضد هذه الفكرة التى تحولت إلى بديهية من بديهيات الحياة السياسية للمسلمين عبر تاريخهم الطويل، ليأتى أحد الباحثين الشرعيين بعد ذلك ليثبت أنها ليست نظاماً مقدساً للحكم ينبغى أن يأخذ به المسلمون، وأن ظهور الخلافة ارتبط باجتهاد بشرى ليس أكثر.
أردت أن أحكى لك ما سبق حتى تستوعب السياق الذى حكم هذه المعركة الشهيرة حول «الخلافة». ربما كان «على عبدالرازق» مدفوعاً بأسباب سياسية، لكن ذلك لا ينفى وجاهة الفكرة التى طرحها فى الكتاب وعلميتها، ونحن لا نستطيع فى المقابل أن ننفى شبهة الولاء السياسى عن «حسن البنا» وهو يدافع عن الفكرة، بل ويؤسس جماعة يأتى على رأس أهدافها إقامة الخلافة من جديد، ولا نريد أن نشتط أكثر فنقول إن «البنا» كان يحلم بأن يجلس على كرسى الخلافة، وكذلك كان دأب من خلفوه على كرسى «الإرشاد» داخل الجماعة.
الفكرة الأساسية التى يدور حولها كتاب «الإسلام وأصول الحكم» ترتكز على نفى وجود نظام سياسى واضح حدده النبى (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين، وأن الحكومة الإسلامية تحولت إلى «الملك الوراثى» بدءاً من العصر الأموى، حيث لعبت العصبية وامتلاك القوة (السيف) الدور الأبرز فى الوصول إلى الحكم وامتلاك السلطة، ولو كان ذلك على رقاب المسلمين!