ألقى الرئيس الأمريكى باراك أوباما بياناً، الخميس الماضى، فى البيت الأبيض تناول فيه موقف إدارته إزاء تنظيم «الدولة الإسلامية»، (داعش)، وقال إن جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكية، سيتوجه إلى الشرق الأوسط فى إطار استمرار الجهود الأمريكية التى تستهدف بناء ائتلاف لمواجهة خطر «داعش». ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية لا تريد خوض غمار حرب أخرى فى الشرق الأوسط، وتتردد فى تحمل تبعات توسيع جبهات القتال ضد «داعش» فى الأراضى السورية. وتدرك القيادات العسكرية الأمريكية أن القضاء على التنظيم المذكور يحتم استخدام قوات برية، علاوة على توسيع الهجمات عليه من العراق إلى داخل سوريا، حيث توجد قاعدته الأساسية. وهنا جاء الحديث عن تشكيل ائتلاف إقليمى على غرار ما تم إبان حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت فى عام 1990/1991. فى هذا السياق تبرز خطورة حديث الرئيس الأمريكى عن الشركاء الأقوياء فى الشرق الأوسط الذين سيقع على عاتقهم تنفيذ الأجندة الأمريكية.
إذا نظرنا حولنا لنبحث عن شركاء أقوياء فلن نجد من الناحية العسكرية إلا مصر والسعودية وتركيا وإيران بالإضافة إلى كل من الإمارات وقطر. تقديرى أنه لأسباب مختلفة، منها الاستراتيجى ومنها السياسى والدينى، فإن كلاً من إيران والإمارات وقطر سيحجمون عن المشاركة فى أى مجهود عسكرى مباشر ضد تنظيم «داعش»، أما بالنسبة لتركيا فهى ستفضل أن تكون فى الظل، وأكثر ما يمكن أن تقوم، به إلى جانب عمليات الاستطلاع وتشديد الإجراءات لمنع تسلل عناصر جديدة لداعش، هو تزويد الأطراف المعنية بمعلومات عن أماكن تمركز قيادات التنظيم فى الأراضى السورية لاستهدافهم. وفيما يتعلق بالسعودية فمن المستبعد أن تشارك فى أى عمليات عسكرية موسعة سواء فى العراق أو فى سوريا، وأقصى ما يمكن أن تساهم به هو تبادل المعلومات الاستخبارية.
إذن لا يبقى إلا مصر، وربما هذا هو السبب الذى دفع مسئولاً غربياً مطلعاً إلى أن يتحدث عن مصر وباكستان كقوتين عسكريتين مؤهلتين للتصدى لتنظيم «داعش». وفى هذا الإطار فإن السؤال الذى يفرض نفسه هو: هل من مصلحة مصر الانضمام إلى أى ائتلاف إقليمى أو عربى للقضاء على «داعش»؟
لا شك أن مصر تنظر إلى مجمل التطورات الخطيرة التى تشهدها منطقتا الشام وبلاد الرافدين من منطلق أن خط الدفاع الأول عن الحدود المصرية يقع فى أقصى شمال سوريا عند الحدود الشرقية لسوريا مع العراق وما وراء العراق، أى البوابة الشرقية للعالم العربى، بمعنى أن أمن واستقرار مصر مرتبط ارتباطاً عضوياً بأمن واستقرار كل من سوريا والعراق.
وفى هذا السياق، فإن امتداد «داعش» على حساب الوحدة الإقليمية لكل من سوريا والعراق يُعتبر تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى. لكن ذلك لا يبرر مشاركة مصر فى الائتلاف الذى تسعى الإدارة الأمريكية إلى تشكيله، وأرى أن التصدى الفعال يجب أن يكون عربياً خالصاً بقيادة مصرية وبالتنسيق والتعاون مع كافة الأطراف العربية المعنية بالقضاء على تنظيم «داعش».
وهذا يتطلب أولاً تشكيل حكومة عراقية تعبر تعبيراً دقيقاً عن كافة القوى السياسية العراقية بعيداً عن الطائفية البغيضة، التى هى أحد أسباب نجاح «داعش»، وثانياً الابتعاد عن أى جهود ترمى إلى عزل الرئيس بشار الأسد لأن هذه الجهود هى مسئولة بالدرجة الأولى عن تنامى الجماعات الإرهابية والمتطرفة فى سوريا والعالم العربى وفى مقدمتها تنظيم «الدولة الإسلامية». وعلينا أن نفصل فى هذا المقام بين الأمانى وبين الوقائع والتحديات الاستراتيجية على الأرض.
لا يمكن، فى تقديرى، الجمع بين هدفين متناقضين استراتيجياً؛ الأول هو القضاء على «داعش» والثانى الاستمرار فى المطالبة برحيل الحكومة السورية. القضاء على كافة الجماعات والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية سواء فى سوريا أو فى أنحاء أخرى من العالم العربى تتطلب إعادة ترتيب أولوياتنا الاستراتيجية.