كعادتى سأقول لك شيئاً قبل أن أبدأ فى موضوع المقال، هو أننى سأدخل بسبب هذه السلسلة من المقالات فى مشاكل لا حصر لها، ولكننى لا أهتم؛ ألم يقولوا عنى من قبل: «غاوى شهرة»، الآن سيضيفون شيئاً جديداً هو: «غاوى مشاكل»، أو قرآنى منكر للسنة، أو جاهل يريد أن يتعالم عليكم، وهْوَ كذلك، فليكن ما يكون، وليقولوا ما يشاءون، ومع هذا فإننى أزعم أننى أمارس ما أعتقده، لذلك لن يطرف لى رمش وأنا أتلقى ردود فعل الغاضبين أو اتهاماتهم بأن حظ نفسى سيطر علىّ، وأننى فى كل ذلك لم أكن متجرداً بل كنت أنفث حقدى الدفين وغيرتى وحسدى! أخرجوا لى ألسنتكم وقولوا: «الكثرة مع ما نقول، وقلة من أعداء الدين هم الذين معك، أو إنهم يسخرونك لتنفيذ مخططاتهم الشيطانية». أنا فى الحقيقة لا تعنينى كثرة توافقنى أو كثرة تعادينى، فالكثرة نحرص عليها فى الانتخابات ولكن فى الأفكار والمبادئ فألف كلا، ألم يقل الله سبحانه (وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله).
ومن الآن أيها الغاضبون أضيفوا لى تلك التهمة الغبية التى لن تعلق حتى بثيابى، تهمة «محاربة النبى وسنته» فأنا أحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، ومن فرط حبى للمصطفى أحمد (صلى الله عليه وسلم) سأظل أحث الخطى ناحية تصحيح المفاهيم المغلوطة التى اعتبرتموها ديناً، سأبحث مع الراغبين عن النسخة الأصلية للإسلام، وعن الصورة الحقيقية لنبيى ورسولى وسيدى، فلم يكن صلوات الله عليه شهوانياً ولا قاتلاً ولا فظاً ولا غليظ القلب، ألم يقل الله لنا عنه (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وقال (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقال إنه أرسله لا لكى يكون رحمة للمسلمين ولكن (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).. رحمة أيها الناس، وليس قاطعاً للطريق يسترزق من الرمح والسيف، لذلك أنا أصدق الله ولا أصدق أى حديث يصف المصطفى بغير ما وصفه الله به ولو جاء فى البخارى ومسلم وأحمد والترمذى والنسائى وابن ماجة، ولو صححه الألبانى وأقسم على صحته رئيس قسم الحديث فى الأزهر، لن أصدق لأننى ببساطة شديدة أحب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولا تنسوا أننى: «غاوى مشاكل».
يا الله! أكل هذه مقدمة؟! إنها مقال، كما أنه بهذه المثابة مقالٌ ذاتى لرجل ذاتى أراد أن يتحدث عن نفسه فشغلكم عن فكرته! ولكن هل هذا صحيح؟! أنا لا أظن ذلك، فلو نزعتَ «الأنوية» عن مقدمة المقال ستجد الفكرة واضحة تمام الوضوح، والمعنى فى بطن المقال، وحتى لا نبتعد عن المقال السابق فسأذكركم بما قلناه، كنا نتحدث عن «نقل الخبر» وعن أهمية الكتابة فى تدوين الخبر، وأن الله لأنه أراد حفظ القرآن من الضياع أو التحريف أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بكتابة القرآن، ولذلك كان هناك فريقٌ من الصحابة أطلق عليهم المسلمون اسم «كُتّاب الوحى» ولكنه صلوات الله عليه لم يعين فريقاً آخرَ يأخذ اسم «كُتّاب الحديث» أما كتبة القرآن فقد كتبوه وحفظوه، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يراجع معهم ما كتبوه حتى لا يشتط أحدهم فيكتب ما يعنّ له ثم ينسبه للوحى، وكان مما قلناه إن الدين مقدم على الدنيا، هل فى ذلك شك؟ فإذا كان الله أمرنا بكتابة الديون التى بيننا، فكان من مستلزمات العقل أن يأمرنا الرسول بكتابة القرآن، وقد حدث، ولكنه نهى فى ذات الوقت عن كتابة ما يصدر منه من أقوال، هو القرآن وحده، وهذا الكلام ليس كلامى ولكنه كلام أبى سعيد الخدرى الذى دوّنه «مسلم» فى صحيحه حيث قال إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمْحُه).. المحو المحو يا رسول الله! نعم المحو، أيأمر الرسول بمحو الوحى؟! لا يا فتى إنه أمر بمحو الحديث فقط ولمدة زمنية محددة حتى لا يختلط الحديث بالقرآن، يا لك من غِر أحمق لا يعرف الفرق بين الحديث والقرآن!
من قال هذا؟ أنا أعرف الفرق ولكنكم أنتم الذين قلتم إن الحديث وحىٌ ولكن الفرق بينه وبين القرآن أن معنى الحديث هو الموحى به واللفظ يكون بشرياً من الرسول، وتمسكتم فى هذا بقول الله تعالى فى القرآن (وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحىٌ يوحى) ومن هنا قال الشافعى إن الحديث القدسى، وخذ بالك من «القدسى» هذه، هو الحديث الذى يضيفه الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى ربه ويقول فيه: «قال الله» وفى عقيدة الشافعى التى عليها الأمة أن الحديث القدسى كالقرآآآآآن، وخذ بالك من «القرآن» هذه، أى أن لفظه ومعناه من عند الله!! ولكن الحديث الشريف معناه فقط هو الذى من عند الله، ولكن الرسول يعبر عنه باللفظ الذى يراه! فهو بذلك وحى، هذه هى العقيدة التى عليها الأمة، وهذا هو ما يدرسه أى طالب مبتدئ من طلاب علم الحديث، هل فى ذلك خلاف؟ الحمد لله لا يوجد أى خلاف، ولكى تستريح ضمائركم أقول إننى لا أختلف مع ما تعتقده الكثرة من أمتى، أوافقكم وأوافق الإمام الشافعى على تعريفه للحديث القدسى وللحديث الشريف، ولكن يستعصى على عقلى أن يفهم لماذا نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن تدوين الحديث القدسى والحديث الشريف، ولا أفهم ما قاله الشافعى فى هذا الشأن ومعه علماء الأمة من أن الرسول خاف أن يختلط الحديث -قدسيّه وشريفه- بالقرآن، أليس الحديث وحياً يا علماء الأمة؟ أليس الوحى ديناً؟ هل تنكرون هذا؟ فهل الرسول ينهى عن تدوين الوحى الحديثى والقدسى بل يأمر بمحو ما تم كتابته فيضيّع على الأمة جزءاً من دينها.
يا لك من لَجوج مجادل، ألم نقل لك أيها العيى الذى لا يفهم إن الرسول نهى عن كتابة الحديث فترة من الزمن إلى أن استقر القرآن فى القلوب ثم سمح بكتابة الحديث بعد ذلك، ماذا تريد من هذا كله؟! أوه، لقد نسيت من كثرة الجدل فلا تؤاخذونى ولكن الذى خطر على بالى كما قلت لكم أن نهى الرسول عن تدوين الحديث فترة من الزمن أضاع على الأمة جزءاً من دينها، فأنتم بذلك تتهمونه بأنه لم يبلغ الإسلام كاملاً، كما أنكم بهذا تُكذبون قول الله سبحانه (اليوم أكملت لكم دينكم) وتتهمون الرسول بأنه لم يطع أمر الله الوارد فى قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)!!
صحيح أن الرسول بمنطقكم انقطع عن تبليغ الرسالة فترة ثم عاد وبلغ الرسالة عندما سمح بكتابة الحديث، ولكن ما التصرف الذى فعله الرسول بعد السماح بالتدوين؟ هل عاد مرة أخرى وقال الأحاديث نفسها التى قالها من قبل عندما كان ينهى عن التدوين؟ وهل اختار مجموعة تُسمى «كُتّاب الحديث»؟ ويا ترى يا هل ترى من هم الصحابة الذين كتبوا الأحاديث؟ وما الأحاديث التى كتبوها؟ ولأننى لا أعرف فى هذا العلم فإننى أظن أن أول من استجاب لكتابة الحديث هم أسيادنا أبوبكر وعمر وعثمان وعلى وسعد بن عبادة وسعد بى أبى وقاص، فهل ظنى صحيح يا علماء الحديث؟ وهل صحيح أن معظم الأحاديث نقلها الصحابة بالمعنى وليس باللفظ؟ وما وظيفة السنة الشريفة، وما معنى قوله تعالى «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى»؟ وللعلم أنا طبعاً ويقيناً لا أنكر السنة ولكننى أريد أن أعرضها على القرآن ثم أسأل عن وظيفتها فقط، لذلك لنا عودة فى المقال القادم للإجابة على هذه التساؤلات.