عندما دخلنا حزام الثورات 25/30 كان الهدف وضع نقطة فى نهاية سطر أنظمة استبدادية والتأسيس لنظام جديد يلتزم بالقواعد المستقرة فى الدول المدنية؛ سيادة القانون والمساواة والحرية وديمقراطية حقيقية، وتداول سلمى للسلطة لتدشين الطريق للتنمية والرخاء والرفاهية.
ووفقاً لأبسط قواعد إدارة الأزمات، يبقى الهدف ثابتاً بينما تقبل الطرق إلى تحقيقه التحريك وفقاً لمعطيات الواقع، ولا يمكن أن ندير مرحلة ما بعد الثورة بنفس أدوات ومفاهيم ما قبلها، حتى لا نعيد إنتاج الحالة التى كانت قبلها.
وعندما يكون الحوار منصباً على الاستحقاق الثالث «انتخابات البرلمان»، علينا أن نتذكر أنه تعرض هو نفسه للتحريك، عندما تبين مخاطر أن تسبق انتخابات البرلمان انتخابات الرئاسة.
والسؤال المنطقى: هل زالت أسباب الترحيل، التى شكلت مخاوف متفقاً عليها جعلت الإجماع ينعقد باتجاه جعلها استحقاقاً ثالثاً؟
هل انتهت المرحلة الانتقالية للتحول من الثورة إلى الدولة؟ أم ما زلنا نواجه مقاومة من فلول النظامين الساعيين لإجهاض الثورة واسترداد مواقعهم، والتى تتصاعد وتتحصن بتحالفات إقليمية ودولية، وتروع الشارع بموجات إرهابية على أصعدة متعددة؟
هل حسم القضاء أمر الأحزاب الدينية والمعروض أمامه، للفصل فى دستوريتها، وهى تشكل الذراع السياسية للجماعات الإرهابية المقاومة للثورة، وترتب للقفز على البرلمان وإجهاض الثورة، فى إصرار ومخاتلة ومراوغة، وتقية واضحة، وما زالت تسعى فى المناطق البعيدة عن دوائر التنوير والتثوير، وتغازل التعصب الدينى الملتهب، اعتماداً على القصور المعرفى السياسى، وغير بعيد عن إبراز تواصلها مع أجهزة وأنظمة تخطط معها وتوجه حراكها لحساب السيطرة على البرلمان، الذى يملك تعطيل مسار الخروج من النفق إلى محاكمة الرئيس وعزله، ويملك تفريغ الدستور من مضمونه، خاصة فيما يتعلق بالحقوق التى أتى بها الدستور فى صياغات مجملة يمكن أن تتوه فى التفاصيل، التى تحملها حزمة القوانين التى يسنها البرلمان؟
هل يملك الأمن إدارة العملية الانتخابية بتأمين يكفل خروجها بشكل سلمى، كما حدث مع الانتخابات الرئاسية، فى ضوء معطيات اللحظة من تربص الأنظمة الساقطة ودخول المال السياسى، الذى لم تتضح بعد ضوابط مراقبته وملاحقته.
هل انتهت اللجنة العليا للانتخابات من ترسيم وإعلان حدود الدوائر الانتخابية بمراحلها المتعددة؛ الإعلان والطعون والفصل فيها، والاستقرار على الصورة النهائية لها.
هل يمكن أن نضع العربة أمام الحصان ونحن نسعى لاستثمار حالة الثقة وعودة الأمل الجمعى التى بعثتها إدارة السيسى وهو يدشن المشاريع القومية التى طال انتظارها، بتخطيط وجدية وحزم، فنعطله بالتعاطى السياسى التقليدى والصراع على السلطة تحت غطاءات مخادعة، وامتطاء الديمقراطية لتعطيل الحلم المصرى والقفز على السلطة؟
هل الزعم بعدم دستورية تأجيل الانتخابات صحيح؟ لنقرأ المادة الدستورية ذات الصلة (230) «يجرى انتخاب رئيس الجمهورية أو مجلس النواب وفقاً لما ينظمه القانون، على أن تبدأ إجراءات الانتخابات الأولى منها خلال مدة لا تقل عن ثلاثين يوماً ولا تتجاوز تسعين يوماً من تاريخ العمل بالدستور»؟
وفى جميع الأحوال تبدأ الإجراءات الانتخابية التالية خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور. وقد بدأت الإجراءات بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإعلان نظام الانتخابات، ولم يرد فى النص مدة محددة للانتهاء منها كما هو الحال مع الانتخابات الأولى الرئاسية، ومن ثم نملك مد أمد الإجراءات دون مخالفة دستورية.