حينما يقول لك أحدهم إن الصحافة أو الإعلام فيهما «حياد» فاعلم أنه إما لا يعرف أو كذاب. لكن إن قال لك إن «الموضوعية» سمة من سمات صاحبة الجلالة والشاشة الفضية فصدِّقه. اختيار خبر وإهمال آخر وتقديم خبر على خبر انحياز، لكنه على أساس موضوعى. فالانحياز هنا إلى جمهور القراء أو المستمعين أو المشاهدين. فلا يمكن مثلاً تأخير خبر حفر قناة السويس الجديدة عن خبر فيضانات الهند ما دام النشر والبث فى وسائل مصرية.
إذن لهذه المهنة أسس حتى للانحياز. وغالباً ما تصب تلك الأسس فى الصالح العام. غير أن هناك من يستغل المنابر الإعلامية لأغراض شخصية مقيتة. هؤلاء هم من يسيئون إلى المهنة. فكتابة الرأى فى حد ذاتها فن له أسس منها تحرى الدقة فى كل ما تبنى عليه الرأى، لأنك لو بنيت رأياً على غير الحقائق سيكون الرأى كقصور الرمال يطيح بها زبد الأمواج المكسرة على الشواطئ بلا عناء.
وبعد ثورة الثلاثين من يونيو بدا واضحاً أن الجماعة الإرهابية ومن يدعمونها يعملون على زرع الفرقة بين الصحفيين والإعلاميين الذين أسسوا لمعسكر ثورة ٣٠ يونيو. قلنا ذلك مراراً. غير أن هناك من يواصل الوقوع فى الفخ. لا أفهم لماذا؟
الساحة المهنية تتطهر تدريجياً وتتجمل لعهد جديد لا يعرف سوى الإيجابية. التطهر يحدث تدريجياً، وفى ظروف مختلفة ولأسباب مختلفة. لن يصح إلا الصحيح، ومن يفعل غير ذلك مآله النسيان. والتنظيم قانونياً مقبل لا محالة.
لهؤلاء ولغيرهم أقول:
أخلاق الفرسان تقتضى أنه لو لم يعجبك شىء من زميل فيمكنك بكل نبل وإيجابية أن تتصل به لتشرح وتستفسر وتنبهه. نعيش حالة حرب ضد الإرهاب يشارك فيها أوركسترا الصحافة والإعلام، يوجهون أقلامهم وبرامجهم تجاه الإرهابيين الذين يودون أن نتلهى عنهم وعن دعم الرئيس الجديد الذى انتخبناه بتفويض ساحق بالاشتباك مع بعضنا البعض. هل نقع فى فخ المخطط؟
دعونا نتنبَّه للخطر المحيط بنا من كل جانب وأن نتجنب شق الصف الداخلى فى وقت نرى فيه الحناجر تهدأ والصراخ يخفت وصوت المهنة يعود تدريجياً، وهو ما يلاحظه القارئ والمستمع والمشاهد. أعلم أن البعض، حتى فى فترة ما قبل ثورتينا، اشتهر نتيجة الهجوم على أناس بعينهم فلما اختفوا اختفى هؤلاء الكتاب والإعلاميون.
قضيت أزهى فترات حياتى المهنية فى هيئة الإذاعة البريطانية بلندن. تعلمت واستفدت والتزمت بـ«الموضوعية» سنين طويلة. وتقتضى الموضوعية الآن أن نناصر الشعب بالوقوف وراء احتياجاته والإصرار على المشروعات التى ستؤدى حتماً إلى تحسين أحواله. إن كنت تبحث عن جبهة تحارب فيها فحارب من أجل الناس.
أوصيكم ونفسى بأن نجعل الشعب قبلتنا، ونعمل جاهدين على متابعة خطط الحكومة لتحسين أحوال الناس. إن لم نفعل ذلك، نحن معشر الصحفيين والإعلاميين، فماذا عسانا أن نفعل أمام الشعب صاحب الفضل؟ ماذا نقول لله سبحانه وتعالى يوم العرض عليه؟
دعونا نتعاهد على حقوق الناس، على البناء لا الهدم، على النقاش الهادئ لا الصياح والصخب، وعلى قبول النقاش واختلاف وجهات النظر فى ملامح الوطن فى المستقبل بدلاً من التخوين والسباب وغير ذلك. تعالوا إلى كلمة سواء فيها فائدة الناس، وهم السواد الأعظم، ولا أعنى بهم أى إرهابى حتى لا أترك مجالاً للتأويل. فلنثب إلى رشدنا أثابكم الله.