فى زمن ما بعد الثورات أو الانتفاضات أو الحركات، أو سمِّها ما شئت، تتشوش الفكرة ويسود ضباب على العقول، فما كان ماضياً سلبياً وصم ما يليه بوصمة «زمان كان أحسن»، بالرغم من أن دورة الحياة لا تركن إلى السكون أو الصمت أو الترهل، فهى نابضة حتى ولو لم نُرِدها كذلك، وإذا ركنت أُمة فى جراج فهناك وقت سيأتى عليها وترغب فى مغادرة جراجها إلى ساحة أوسع «جراج كبير»!! أو إلى الآفاق الرحبة حيث الحرية والعدالة «ليس حرية وعدالة الإخوان»، بل التغيير الذى يطال جميع الأشياء بما فيها طريقة التفكير، أسوق السابق كمقدمة لما طرحه الكاتب الأمريكى «جايسون براونلى» فى كتابه «إجهاض الديمقراطية» الذى أهداه للراحل النبيل الدكتور محمد السيد سعيد، وأسرده فى التالى دون تدخل منى:
■ الولايات المتحدة طوال أربعين عاماً دعمت مصر فى تأسيس نظام بوليسى يقول إنه استهدف خدمة المصالح الأمريكية «وتحقيق أمن إسرائيل» بدلاً من تعزيز الديمقراطية بطريقة تدريجية.
■ الدولة البوليسية شيدها أنور السادات وضخمها خلفه «مبارك» ورعتها الولايات المتحدة التى يرى أنها أسهمت فى إطالة عمر «مبارك» بطرق مختلفة، ولكنها رغم قوتها لم تصمد أمام الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التى تمكنت من إنهاء حكم «مبارك» فى 11 فبراير 2011 بعد 18 يوماً.
■ الجديد فى الاحتجاجات الشعبية التى أدت إلى خلع «مبارك» هو ثقة المحتجين وإجبارهم للنخب السياسية (فى القاهرة وواشنطن) على إعادة تقييم مردود تأييدهم لـ«مبارك».
■ حطمت المعارضة دون أن تطلق رصاصة واحدة صرح الطغيان المصرى وهددت أركان التحالف المصرى - الأمريكى، لتدشن بذلك أكبر تجربة ديمقراطية فى منطقة الشرق الأوسط.
■ التجربة تعثرت مرتين، الأولى بوصول محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة لمدة عام كتب فيه «دستور دينى صريح» ثم بعزله فى الثالث من يوليو 2013 بعد احتجاجات شعبية على حكمه طوال عام وبلغت ذروتها فى «30 يونيو».
■ الفترة «القصيرة المضطربة» لحكم «مرسى» كشفت أن التحالف المصرى - الأمريكى أكثر صلابة من التجربة الديمقراطية التى زعم المسئولون الأمريكيون أنهم يدعمونها.
■ شرع «مرسى» فى توثيق علاقاته مع الولايات المتحدة وكان سبيله إلى ذلك بالأساس هو انتهاج سياسة تعزز أمن إسرائيل... التى طالما أدانها فى عهد «مبارك».
■ «مرسى» على سبيل المثال «دعا قبل الثورة لإعلان الحرب على إسرائيل ووصف الصهاينة بأحفاد القردة والخنازير»، لكن مع توليه الرئاسة استمر فى تبنى نفس السياسة الخارجية التى تبناها سلفه حيث حافظ على الدور التقليدى لمصر الساعى للحفاظ على أمن إسرائيل.
■ أمريكا لا تحرص على الديمقراطية ولو رفعتها شعاراً، وفى الأيام الأولى للانتفاضة ضد «مبارك» كان موقف البيت الأبيض يدعم «الاستقرار فى مصر فى الوقت الذى يروج فيه لنفسه وكأنه يساند التحول الديمقراطى التدريجى».
وما ذكره الكاتب أعلاه لهو ملخص لما دار منذ 2011 يبعث على الرؤية الواضحة بعيداً عن تشوش التسطيح وأغراض التشويه، ومن فضلك «ركِّب نضارة» حتى ترى دون عدسات التآمر و«شنبر» السذاجة، بالطبع أصاب فى الكثير منه فقد رسم صورة لما حدث فى «يناير» وما بعدها من زاوية العلاقات المصرية - الأمريكية بوصف واشنطن اللاعب الرئيسى فى المشهد المصرى والمتدخل بصفاقة فى شأننا الداخلى، إنها إدانة للولايات المتحدة و«الإخوان»، ووثيقة قادمة عبر الأطلنطى لتصحيح ما يراه بعض الموتورين الذين يهيلون التراب على دماء بريئة سالت فى شوارعنا من أجل كلمة «حرية»، أما فيما يخص «يونيو» فهى مثل لحظات المصير قد تقبل بالاستثنائى فيها!!