هناك سعى متواصل لإعادة عمل ونظام الجامعات لما قبل 25 يناير. كانت هذه السيرة القهرية قد أتت ثمرتها التى شهد بها العالم لنا فلم يجد من جامعاتنا المصرية واحدة فقط ليعتبرها من ضمن أفضل 500 جامعة على مستوى العالم! لم يجد واحدة قط! ومن زرعهم تعرفون ثمارهم.
قبل 1952 كانت الجامعة المصرية مثلاً للجامعة فى العالم. وقتها كان طلابها يتعلمون بها الدرس والبحث والعمل السياسى، وعندما تم منع وحصار ومطاردة أولئك الأساتذة والطلاب من ممارسة السياسة فى الجامعة منذ عبدالناصر والقبض على البعض منهم واعتقالهم بسبب ذلك، صار الدرس والبحث والعملية التعليمية برمتها ونتائجها متدنية ولا تليق ببلد عظيم أسهم وأسس علوماً منذ آلاف السنين. وانتهينا إلى رفض عربى ودولى لمستوى الطلبة والأساتذة حتى أولئك الذين لم يكن لهم علاقة بأى عمل حر سياسى أو فكرى أو فنى فى الجامعة.
وبدا بالملاحظة التاريخية الأولى أن الحريات بشكل عام بما فيها الحرية السياسية داخل دور العلم سواء مدارس أو جامعات تسهم وتدعم وترفع المستوى العلمى لهذه الدور ولخريجيها. ثم إن نتائج ذلك تؤتى أثرها على شخصية المتخرج وعلى كافة مناحى الحياة فى البلاد بما فيها التفاهم والسلام والعلاقات السوية بين المواطنين وانخفاض مستوى العنف فى تعاملاتهم بما فيها التحرش، ولنذكر أنه فى الفترة التى كان فيها النشاط والتعامل داخل الجامعات والمدارس حراً لم تكن مصر تحظى بترتيب عالمى فى نسبة التحرش! لأن كبت الحريات السياسية والفكرية والتعبيرية وتقييد حركة وأفكار الأشخاص لا بد أن يصحبه كبت آخر وعدوان آخر يفرغونه فى طرف آخر أضعف منهم، أو بالاحتيال خفية ولؤماً إن كان أقوى منهم.
وبعد 25 يناير صدرت تعديلات لقانون تنظيم الجامعات أهمها جعل اختيار رؤساء الجامعات والأقسام وعمداء الكليات بالانتخاب، وتم طرد الحرس الجامعى الذى كان يتدخل فى إدارة الجامعة ويراقب حركات وسكنات الطلبة والأساتذة، ويتدخل فى كل صغيرة وكبيرة بالجامعات، وتم إيقاف العمل باللائحة الطلابية التى ثار عليها الطلاب وتظاهروا منذ ثمانينات القرن الماضى لإلغائها.
اليوم نعود لتلك السيرة البغيضة بادعاء حق يقصد به باطل.. فقد أصدر الرئيس السيسى تعديلات تم بموجبها إلغاء انتخابات اختيار القيادات الجامعية وأعادها بالتعيين له مؤكداً تدخل السلطة التنفيذية فى شئون الجامعة ومنع استقلالها، وكأن أساتذة الجامعة أعجز من أن يختاروا من يحسن الإدارة، ويرتفع بمستوى الجامعة علمياً وإدارياً، بينما من هؤلاء الأساتذة أنفسهم من يتم اختياره وزيراً ورئيساً لمجلس وزراء البلاد كلها، ولا نعتقد أن ما حدث فى العام الماضى سبب لذلك التعديل، حيث إن الاضطراب الأمنى كان شديداً فى جامعة الأزهر وذلك لطبيعة طلابها وأساتذتها وتوجهاتهم، بينما كانت الجامعات الأخرى آمنة وإن كان التقصير الأمنى سبباً لا يغفل ما حدث فى جامعة القاهرة مثلاً.
ثم خرجت تصريحات من مسئولين خلاصتها منع الطلاب عن متابعة السياسة ونشاطها وهذا فى حد ذاته فتح باب مبكر لعدم الاستقرار، وبالبلدى «جر شكل»، لأن الزمن تجاوز ذلك الطلب الذى لن يقبله طلاب اليوم، والأفضل هو الحديث بشكل جدى وعادل ومسئول عن تنظيم قواعد العمل والحركة لا عن منعهما أو منع الضيوف الذين تتعارض توجهاتهم مع النظام.
ثم زامل حديث المنع محاولات تبذلها السلطة التنفيذية لتمرير لائحة طلابية تحد من النشاط الطلابى المثمر وتعتمد على أفكار لائحة الإخوان المستبدة، مما أدى بالطلاب للدعوة من الآن وقبل أن يبدأ العام الدراسى لمظاهرات رافضة.