استضافنى الأسبوع الماضى الأستاذ عمرو أديب فى برنامجه «القاهرة اليوم»، وأثناء سير الحديث رويت ما سمعته من أحد قيادات القوات المسلحة بشأن الألغام التى خلفتها الحرب العالمية الثانية فى الساحل الشمالى الغربى. وكان هذا الحوار من أكثر من عامين. قلت: يا سيادة اللواء نتمنى عليكم أن تركزوا جهداً أكبر فى إزالة الألغام من الساحل الشمالى الغربى، وتكون هذه هدية من القوات المسلحة لمصر لما فى هذه المنطقة من خيرات كثيرة غير مستغلة.
وكان رد سيادة اللواء: ما إحنا أزلناها تقريباً كلها باستثناءات قليلة جداً.
فتساءلت: ولماذا لا يعلن هذا على الناس؟
فكان رده: نحن خشينا إن أعلنا أن يسيطر عليها أباطرة الحزب الوطنى ويستغلوها وتضيع على البلد والأجيال الجديدة.
رويت هذه الرواية فى البرنامج وانتهى الموضوع بالنسبة لى من زاوية نقل الواقعة كما حدثت. وبعد أن انتهيت من الحلقة وأثناء خروجى، وبحضور عدد من العاملين فى البرنامج والأستاذ عمرو أديب نفسه، سألنى أحد الشباب: هل واقعة أن الجيش رفض الإعلان عن إزالة الألغام خوفاً من أن يسيطر عليها أباطرة الحزب الوطنى صحيحة؟
فقلت له هذا ما حدث، والله على ما أقول شهيد. فسأل السؤال التالى: «يعنى إحنا جيشنا وطنى بجد؟».
قلت له: نعم هو جيش وطنى بجد، حتى لو تحفظنا على بعض القرارات الصادرة من بعض قياداته.
لسبب أو لآخر انتهى الحوار آنذاك حتى استرجعت السؤال الاستفهامى الاستغرابى الذى هو عنوان المقال لأبدى عدة ملاحظات.
أولاً، هناك قطاع من الشباب، لا أعرف نسبته، لكنه موجود، إما متأثر بدعاية خارجية سوداء أو ببعض من يعيشون على أوهام «الثورجة الوهمية» يظنون أن الجيش جيش مبارك، والشرطة شرطة مبارك، والقضاء قضاء مبارك، والتعليم تعليم مبارك. وهى قراءة مآلها الوحيد هو مصير سوريا والعراق وغيرهما.
ثانياً، لفت نظرى أحد زملائى فى برنامج «باختصار» لعدد من الفيديوهات الموجودة على «اليوتيوب» والتى لا أقول تنتقد فقط بل تهاجم وتسخر وتقلل من قيمة الجيش المصرى. وهى فيديوهات مصنوعة بشكل جيد، ويقيناً لها تمويل معتبر ويعاد بثها على قناة «الجزيرة مباشر مصر» باعتبارها من أصوات المعارضة لانقلاب الجيش على الشرعية بزعمهم. والفيديوهات لا تنال من جيش مصر الآن وإنما تمد السخرية بل والتدليس إلى جذور الجيش المصرى منذ نشأة الدولة المصرية تاريخياً.
ولا أشك أن نسبة ما من الشباب تصدق هذا التهافت لتجعل أى مشكلة أو نقيصة هنا أو هناك وكأنها دليل على «عدم وطنية» الجيش المصرى.
ثالثاً، هناك مسئولية كبيرة على قيادات الجيش نفسها فى أن تكون أكثر شفافية فى ميزانيتها ومواردها وطرق محاسبتها لأفرادها، وما الذى تفعله، وما الذى امتنعت عن فعله حتى لا تظل مساحة الغموض غير البناء مستغلة من قبَل من يعملون على تدمير الدولة المصرية سواء بقنواتهم أو أموالهم أو بسذاجتهم.
رابعاً، يؤسفنى أن من يريد السلطة مستعد لأن يدمر الدولة من أجلها. وأتصور أن هؤلاء تحديداً من قصدهم الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، حين حذرنا من أن نعطى السلطة لمن سألها.
خامساً، أنا التحقت بالقوات المسلحة، ولم تكن كل أيامى فيها سعيدة، ووجدت ما أحزننى وما آلمنى من مجند أو صف جندى أو شويش أو ضابط. لكن لا أجرؤ على القول إن أخطاء الأفراد يمكن أن تجعلنى أصف جيش بلدى بأنه غير وطنى. الجيش يحتاج محاسبة أكثر، وارد، يحتاج شفافية أكثر، يقيناً، لكنه فى النهاية وكما يقول الدستور: الجيش ملك للشعب. وطالما أن هؤلاء التافهين يثيرون حوله هذه الأكاذيب فهم حقيقة يخدمون قضية الجيش أكثر من قضيتهم لأن الناس ستلتف حول قيادات الجيش أكثر ثقة منها فى أنه، مهما كانت عيوب وأخطاء قياداته، يمكن الوثوق بهم أكثر ممن يحترفون الاحتجاج والشوشرة والتشويش والتشويه.
اللهم احفظ مصر شعباً ووطناً ودولة وجيشاً.