إسماعيل ياسين.. "المضحك الباكي"
"أهو انا، أهو انا، ولا حد ينفع إلا انا، شكلي صحيح مالوش دوا، لكن اختصاصي في الهوا".. بخفة ظله الطاغية وصف نفسه.. ملامح تفتقد إلى الجاذبية لم تؤثر على جمهوره الذي عشق صوته وضحكته الباكية، ليكون "إسماعيل ياسين" هو الضابط والطيار والمجنون والفقير المليونير في أفلام حملت اسمه.
15 سبتمبر عام 1912، كان اليوم الذي شهد ميلاد ذلك الطفل الذي انتظرته الدنيا بأقسى ما فيها من أوجاع، موت أمه كان حائلا بينه وبين السكون لحظات في أحضانها، رحلة عذابه التالية تبدأ مع زوجة أبيه الصائغ الميسور الذي لم يحمه من مضايقاتها، ليترك لها السويس كلها وينزح إلى "قاهرة المعز" ليبدأ الغوص في أعماق نجاحاته.
"بلبل حيران"، الأغنية التي حولت مسار حياته من الحلم بمنافسة "عبد الوهاب" والتفوق عليه إلى عالمٍ آخر أكثر بهجة، فكانت البداية في فرقة "بديعة مصابني"، التي كانت بوابته لإلقاء المونولوج، ولم تمض 10 سنوات حتى أصبح أحد ألمع فناني المونولوج في مصر، لتتعاقد معه الإذاعة المصرية على تقديم مونولوجاته نظير 4 جنيهات للمونولوج الواحد.
بدايته السينيمائية كانت مع فيلم "خلف الحبايب" عام 1939، ليثبت من خلاله موهبة مبشرة في التمثيل تدفع المخرجين للدفع به ممثلا ثانيا في أفلام "علي بابا والأربعين حرامي، نور الدين والبحارة الثلاثة، القلب له واحد"، فيلتفت إليه صانع النجوم أنور وجدي ويسند له أول بطولة مطلقة في عام 1949 في فيلم "الناصح" أمام الوجه الجديد "ماجدة"، ليجر وراءه ما يزيد عن 166 فيلما كانت كافية بأن تضع اسم إسماعيل ياسين على قمة ممثلي الكوميديا في السنيما لأكثر من 20 عاما من تاريخها.
"أبو السعود الإبياري"، شريك العمر في فرقة "بديعة" وفي السينيما والمسرح، ألف لـ"سمعة" معظم أعماله الفنية التي ساهمت في إظهاره كأسطورة الضحك في مصر، كونا معا فرقة "إسماعيل ياسين المسرحية" عام 1954، وأنتجا من خلالها ما يزيد عن 50 مسرحية تم عرضها بشكل شبه يومي على مدار 12 عاما، إلا أن خطأ فنيا من أحد الموظفين بالتليفزيون حرم المشاهدين من كل هذا الفن المسرحي الزاخر بعد أن مسح نحو 60 مسرحية بعد تسجيلها للتليفزيون المصري.
"إسماعيل ياسين"، كان من الفنانين المعدودين الذين مثلوا جانبا كبيرا من قصة حياتهم، حيث قام بتقديم مسلسلة إذاعية بعنوان "قصة حياة إسماعيل ياسين"، أذاعتها شبكة "صوت العرب" من تأليف وإخراج صديق عمره "أبو السعود الإبياري"، جسد فيها مرحلة الشباب وبدايات تألقه مع السينيما وفن المونولوج.
لم تشهد السينما المصرية أفلاما تحمل اسم بطلها إلا مع "إسماعيل ياسين في البحرية، إسماعيل ياسين في متحف الشمع، إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"، وغيرها من الأفلام التي ظهر خلالها في ثنائيات غير تقليدية مع رياض القصابجي ،الشاويش عطية، وعبد السلام النابلسي، وشادية التي مثل معها ما يزيد عن 23 فيلما في حياته.
نهاية إسماعيل ياسين لم تكن أحسن حالا من بدايته، مرض في القلب يفاجئه مع عقد الستينات فتقل النجومية وتنحسر الأفلام، تراكم في الضرائب يحوله فجأة إلى مطاردٍ محجوز على مسكنه لا تبصر عيناه سوى الديون، يسافر إلى لبنان دون اختلاف حالته المادية عن لحظة مجيئه للقاهرة، فيمثل عددا من الأفلام القصيرة التي كفت لتحطيمه، عاد إلى مصر ليجد الموت في انتظاره بأسرع من تكريم أعده له الرئيس السادات، لتغيب شمس "المضحك الباكي" في 24 مايو 1972 إثر أزمة قلبية حادة أسدلت الستار على الحكاية.