على مدى السنوات القليلة الماضية، سعت القوى الغربية وحلفاء عرب وإقليميون لتوظيف الوضع فى سوريا منذ بدء المواجهة بين الحكومة والإسلاميين السوريين، وفى مقدمتهم تنظيم الإخوان المسلمين السورى، لكسر التحالف بين دمشق وطهران وحزب الله اللبنانى. واكتسب هذا المسعى أبعاداً دينية وطائفية واستراتيجية، دارت حولها كافة المحاولات الرامية للتوصل إلى حل سلمى للأزمة السورية، أو حسمها عن طريق استخدام القوة.
ونجحت الجهود الدولية والعربية والإقليمية فى التوصل إلى اتفاق جنيف بتاريخ 30 يونيو 2012، الذى يعتبر خريطة طريق تلبية الحد الأدنى من مطالب كافة الأطراف المعنية، إلا أن الدول الأعضاء فى المجموعة المعروفة باسم «الدول أصدقاء سوريا»، ومن بينها بعض الدول العربية وجامعة الدول العربية، تفسر البند الخاص بتشكيل هيئة تنفيذية انتقالية ذات صلاحيات كاملة بأنها تعنى رحيل الرئيس السورى بشار الأسد عن السلطة، بحجة أنه فقد الشرعية، وأن الشرعية فى سوريا تكمن فيما يعرف باسم «ائتلاف الدوحة»، أو «ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية».
فى المقابل، ترفض كل من روسيا والصين وإيران وعدد من دول العالم هذا التفسير، وهذا التعارض المبدئى والجوهرى فى تفسير البند المذكور هو السبب فى فشل مؤتمر جنيف2، الذى انعقد فى يناير الماضى، قبل استفحال ظاهرة «داعش» أو «الدولة الإسلامية فى العراق والشام». والجدير بالذكر أن هذه الظاهرة ارتبطت بعوامل ثلاثة مترابطة. العامل الأول هو فشل كافة محاولات التوصل إلى حل يرضى الأطراف المعنية. أما العامل الثانى فهو يتعلق بتدهور العلاقات الغربية الروسية بسبب الأزمة الأوكرانية. والسبب الثالث يرتبط بالمباحثات النووية بين إيران ومجموعة الـ5+1، وقرب انتهاء المفاوضات فى نوفمبر المقبل.
أضف إلى ما تقدم فشل الجماعات المسلحة العاملة فى سوريا فى حسم الموقف عسكرياً لعدة أسباب، لعل أخطرها أن ما يفرقهم أكثر وأعمق بكثير مما يجمعهم سواء سياسياً أو على مستوى هوية الدولة التى يسعى كل فصيل لإقامتها فى دمشق فى المستقبل.
فى العام الماضى، وتحديداً سبتمبر 2013، نجحت روسيا بوتين فى الحيلولة دون تورط واشنطن فى مواجهة مباشرة مع دمشق بسبب موضوع استخدام السلاح الكيماوى ضد بعض فصائل المعارضة، كما ادعى آنذاك، وجاء ذلك فى إطار مناخ إيجابى على صعيد العلاقات الروسية الأمريكية. لقد تبدلت المعادلة الروسية الأمريكية بحدة خلال العام المنصرم على خلفية الأزمة الأوكرانية، واستغلال واشنطن هذه الأزمة لخنق روسيا بوتين، ليس فقط فى الجوار الجغرافى التقليدى والتاريخى لروسيا، وإنما على امتداد العالم بما فى ذلك فى الشرق الأوسط، وتحديداً فى سوريا، فنحن أمام مواجهة أمريكية روسية مفتوحة، تريد إدارة أوباما من خلالها تحجيم الدور الروسى فى السياسة الدولية.
نجاح المفاوضات النووية مع إيران يعنى تطبيع علاقتها مع الغرب، مع ما يصاحب ذلك من إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة، إلا أن الغرب يريد أن تتم عملية التطبيع هذه وإيران واقفة بمفردها دون الحليف السورى الحالى، ودون حزب الله اللبنانى. أى نزع كل أوراق الضغط والتأثير والمساومة الإيرانية فى كل من الخليج العربى ومنطقة الشرق الأوسط.
بمعنى آخر، فإن الحسم العسكرى للأزمة السورية قد اقترب، وإنما بطريقة غير مباشرة وعن طريق تعظيم الخوف من تنظيم «داعش» بعد أن تم تمكينه من الاستيلاء على ربع مليون كيلومتر مربع من الأراضى السورية والعراقية. وما خطة التحالف الدولى الواسع الذى وظفت واشنطن كل أدوات التأثير لديها لتشكيله إلا الواجهة الغربية والحلف أطلسية للإسهام فى تغيير نظام الحكم فى دمشق بالقوة المسلحة، وإعادة رسم الخريطة السياسية فى المنطقة فى ظل القوة العسكرية الأمريكية والغربية.
والسؤال المطروح على الأمة العربية هو: هل من مصلحتها أن تشارك فى هذه اللعبة الخطرة على الوحدة الإقليمية لعدد من الدول العربية؟ وما مصلحة مصر أن تتجاوب بصورة أو بأخرى مع هذه الخطة؟ الأمر المؤكد هو أن أمن كل الدول العربية مهدد مستقبلاً، بما فى ذلك مصر.