على قدم وساق يتسابق مستشارو السوء وحمَلة المباخر والمتطلعون إلى لعق بلاط قصر الحاكم، أياً كان هذا الحاكم، المهم أنه الحاكم، لتقديم مزيد من الولاء والطاعة، ولو على حساب حق الشعب.. يتسابقون فى إجراء تعديلات دستورية تقضى على دولة المؤسسات، لخلق حاكم ديكتاتور.. تعديلات تجور على حق السلطة التشريعية والحكومة، لصناعة حاكم فرد، هؤلاء لا يقلون سوءاً عن مستشارى السوء الذين اقترحوا على «مرسى» إصدار إعلان دستورى استبدادى، كان السبب الأول والأخير فى العصف بحكمه. مستشارو السوء الآن هم، فى رأيى، شياطين الإنس، ينتمون إلى مدرسة تأليه الحاكم، فالتاريخ القريب، وليس البعيد، يقص علينا كيف يبدع المنافقون فى كل عهد وزمان فى التمهيد لمنظومة شر، تستند إلى دسترة الديكتاتورية، فى نصوص ما أنزل الله بها من سلطان، تعصف يوماً ما بالحاكم.. فى يوم ما فى عهد «السادات»، وقفت كل من فايدة كامل وأخواتها، نجوم عصر «السادات»، معلنات أنهن مع إجراء تعديل فى دستور 1971.. شعر كل معنىٍّ بمستقبل هذا الوطن خطورة هذه الفكرة، فبالتأكيد فإن رموز الحزب الحاكم فى ذلك الزمان لا يأتى من وراء دعواهم خير.. بل إن دعواهم تكون دائماً مع تأليه وتثبيت وتسمير الحاكم فى كرسى العرش، فلن تكون دعواهم أبداً أو اقتراحاتهم لإلغاء المواد المعادية للحريات وحقوق الإنسان أو العدالة الاجتماعية... خاصة أن لصوص الانفتاح قد سيطروا وتمكنوا، ليضعوا بقعة سوداء فى عهد وتاريخ قائد حرب رمضان 1973.. المهم، إرضاء للحاكم ومساهمة فى صناعة الديكتاتور اقترحوا وأبدعوا فى الشر، وهكذا تضمن تعديل «فايدة» وأخواتها فى المادة الخاصة بفترة الرئاسة، الذى أطلق عليه حينها «تعديل الهوانم»، تعديل حرف واحد فى كلمة واحدة، وهى «مدد» بدلاً من «مدة»، أى إتاحة أن يرشح الرئيس بعد مدته الأولى لمدد أخرى بدلاً من مدة أخرى، ما يمكن الحاكم من حكم «المحروسة» إلى آخر العمر، وكان لهم ما أرادوا، فالاقتراحات اقتراحاتهم، والمجلس مجلسهم، وشياطين الإنس مستشاروهم، وهكذا نجحوا فى إبداع الشر وتسويق الباطل، فزادت الفجوة بين الحاكم والشعب، واستمرت هذه الفجوة وتعمقت فى اعتقالات سبتمبر 1981، حتى انتهى الحال بالرجل فى أكتوبر من نفس العام، ورحل الرجل، قائد أعظم انتصار، فى 1981، ولكن للأسف وللأسى لم يرحل معه مستشارو السوء، واستمروا فى وضعهم، وازدادوا تألقاً ونجومية، فهم يجيدون التقرب من كل حاكم، يبثون سمومهم، وبعد سنوات طوال اختفوا، إما بالانتقال إلى الله، أو بانتهاء صلاحيتهم، ولكن والحق يقال، إنهم أسسوا مدارس ما زالت تفرخ لنا مستشارى السوء وحمَلة المباخر، ربما زاد تأثيرهم مع تعدد وسائل الإعلام، وأصبحوا ضيوفاً على فضائيات تخشى على وضعها إن انتقدت أو اعترضت، المهم تسويق الباطل لرموز التطبيل لأى حاكم فى منحه مزيداً من السلطات ودسترة الديكتاتورية فى مواد جديدة تجعل منه الحاكم بأمر الله، متناسين أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. إن مدرسة الشر ما زالت تفرخ أجيالاً لفرعنة الحكام وصبغهم بصبغة إلهية، والعياذ بالله.. وهذه المدرسة لن تنتهى إلا بلفظها من الحاكم، كما لفظها الشعب فى كل العهود. إن مستشارى السوء خريجى مدرسة «تعديل الهوانم» لا بد أن تسحق فتاواهم الشيطانية واقتراحاتهم الديكتاتورية.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.