رغم أن «الزراعة» فى فرنسا لا تمثل سوى 2% من الناتج القومى البالغ ألفين وخمسمائة مليار يورو، (مصر 180 ملياراً)، ورغم أنهم ينتجون 45 مليون طن حبوب، ولا يحتاجون منها سوى 10 ملايين.. فهناك «المعرض الزراعى» السنوى فى مارس من كل عام، الذى يحضره رئيس الجمهورية «إجبارياً» من أيام «ديجول» وحتى «أولاند».. وطبعاً يصطحب معه رئيس الحكومة والوزراء المختصين، وأمام عدسات التليفزيون تجد «الرئيس» ممسكاً بيد الفلاح، وباليد الأخرى «بيطبطب» على «بقرة» فريزيان (ماعندهمش جاموس ولا حمير زينا)، ورئيس الحكومة بيتصور مع «نعجة» أو خروف.. ووزير الزراعة واقف يسمع مشاكل المزارعين ومقترحاتهم.. وأصحاب الشركات العارضة للآلات والمعدات الزراعية من كل بقاع الأرض «يرطنون» كل بلغة بلده، أو بالفرنسية المكسرة.. والزوار من كل فج عميق يتسابقون للحصول على أحدث المعلومات والاختراعات والابتكارات وأنواع السلالات، وأصناف التقاوى والبذور والشتلات، وآخر ما وصلت إليه «مذاقات» المربات، وأشكال «العبوات»، وأمام كل جناح تمد يدك لتتذوق من الـ365 صنفاً للجبن.. إيشى من لبن الماعز.. إلى «لبن العصفور»!
وأثناء فترة المعرض لن تجد «غرفة» فاضية فى أى فندق بباريس، وطبعاً ستجد المقاهى والمطاعم كومبليت (80 مليون سائح سنوياً رغم «غتاتة» الفرنسيين العاملين بقطاع الخدمات وجهلهم بأى لغة غير الفرنسية).
صحيح أن هناك أكثر من «معرض يومى» فى كل مكان، يهتم بمنتجات كل إقليم أو مقاطعة، فتجد معرضاً لمنتجات الألبان والعصائر بالنورماندى، ومعرض للفواجرا (كبد البط والوز) فى تولوز، وللموضة والسيارات والبارفانات وحتى الطيارات، ومهرجانات من كل لون يا بطسطا..
ونهبط إلى «المحروسة» والمعرض الزراعى المصرى الدولى السنوى «صحارى»، والمنعقد منذ أمس الأول الأحد فلا تسمع له «حسّا» هُس هُس.. لا جرايد تتحدث، ولا تليفزيون يهتم، ولا مسئول مشغول به، ولا الناس عندها خبر.. فى بلد «يدعى» كذباً أنه بلد زراعى.. وإذا كان لك مصلحة شخصية مباشرة وعرفت بالصدفة، فستذهب بحثاً عما ترغب، ولن تجد جديداً.. «معرض تقليدى» موجود منه فى «موزمبيق»، و«جزر الباهايم»، ولا يليق أبداً ببلد قامت حضارته على «الفلاحة».. والمنظمون له محبطون من الإهمال والتجاهل الرسمى.
فى أكتوبر 2012 وبمبادرة شخصية.. اتصلت بمرشحى الرئاسة، وأقنعتهم بأهمية حضور المعرض كدعاية انتخابية لهم، ولبث الروح فيه ولإعطائه «نفَس» وحركة ولجذب انتباه الإعلام، وحضر عمرو موسى، وحضر الفريق شفيق، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وتأخر حمدين لظروف خاصة منعته.. وعملنا «جو» وحس للمعرض وللعارضين والزوار، وتحدث الإعلام مرغماً.. وقبلها اتصلت أيام المجلس العسكرى بمكتب المشير، وبـ«د.عصام شرف».. ولم يستجب أحد (وفهمت وقتها أن الزراعة أو الفلاحة فى مصر «عيب».. دى ناس عرقانين، وعندهم فيروس C، والباشاوات مش ناقصين قرف)، وفهمت كمان أن اللى يستثمر أو يشتغل فى هذا المجال (لا مؤاخذة دا راجل حمار) ليه؟
لأن البلد مليانة «فلوس» وُفرص فى التجارة، والنبى قال: 9 أعشار الرزق × «التجارة».. عندك الشواطئ.. تاخد مليون متر بتلاتة تعريفة، وتجيب كام بنت حلوة، وكام واد من اللى بيلعبوا بالبيضة والحجر، وكام صفحة إعلانية بالأهرام (ومش هتدفع ثمنها كاش ولا نقدى).. وتاخد أعلى سويت فى أجدع 7 نجوم، وترشى كام إعلامى على كام ظابط، على كام واحد فى المحافظة وفى كل جهاز «حساس» (مش فاهم يعنى إيه حساس).. المهم هتلم ملايين ومليارات، وكام محامى من إياهم هيظبط لك أى مخالفات وأى ارتفاعات وتبيع الهوا.. وكله بيلبّس الطاقية لغيره.. تتعب نفسك ليه فى قلب الصحرا، والأعراب يضربوا عليك نار، والجيش والآثار والمناجم والمحاجر والرى وتصاريح الآبار، وهيئة التخريب (المشهورة باسم هيئة التعمير فى وزارة الإسكان).. والتصاريح والموافقات وبعد كل ده مش هتاخد عقد الملكية، وهتورث عيالك قضايا ومشاكل، هتخليهم يقولوا عليك كلام، لو سمعته وانت عايش كنت اشتغلت «فاسد».. تاجر.. مستورد شماريخ، أو مصدر فوسفات أو رخام «خام»، أو مسقعاتى أراضى أو مخلصاتى أو سمسار أراضى، أو حتى تبنى عقارات وشقق مخالفة، هتكسب هتكسب من غير صحيان الفجر.
باختصار: إذا لم نجب على السؤال: إحنا عايزين إيه من الزراعة؟ ونوفر كل مقومات وأسباب النهوض بهذا القطاع.. فانتظروا ما كتبته وتوقعته من سنوات.. ولن ينفع وقتها لا قناة سويس، ولا حتى قناة جونجلى.. وكمان رايحين قال هنصلح «مليون فدان» قال: بمية وخمسين مليار جنيه.. جتكوا 150 مليار وكسة.. دا انتوا مش عارفين تنظموا لقاء أو ندوة، ولا قادرين تعملوا «حس» ولا خبر للمعرض الزراعى (صحارى).. وعاجزين وفاشلين، وعايزين السيسى يشيل الليلة، وتغرقوه بمية وخمسين مليار يا جهابذة (جمع جهبذ).. يا جهبذ انت وهوه.. زى ما غرقتونا فى توشكى!
ملحوظة: اتصلت أمس الاثنين برئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب، لأنبهه بأهمية زيارته للمعرض، طالما أن الرئيس غائب ووزير الزراعة لم يذهب لافتتاح المعرض، وبعت «مندوب» مكانه.. يمكن ربنا ينفخ فى صورتنا، ونجاوب على السؤال:
هىّ الزراعة والفلاحة حاجة «عيب» ومكسوفين منها، ولاّ فيه حاجة إحنا مش فاهمينها؟
فهمونا (لو كنتوا أصلاً فاهمين)، ولاّ فيه يافطة بتقول (ممنوع الاقتراب «من الزراعة» أو التصوير) كاتباها إسرائيل؟ ولاّ تكونش «قطر» هى السبب؟
Good Morning سيادة الرئيس:
ربنا معاك.. وشكراً لكل زملائنا المهاجرين، ووقفتهم المنظمة لتأييد «رمز مصر» عبدالفتاح السيسى، ومن القاهرة نقول لكل حاقد أو جاهل بتاريخنا، وطبيعة شعبنا.. أنتم الخاسرون، وكل من ينسحب من الجلسة سنقطع علاقتنا به وببلده.. والمصريون جميعاً (إلا قليلاً) يتشرفون بك ممثلاً لهم، وكلنا فخورون بأنك رئيس لأم الدنيا، فكن قوياً وصلباً.. فمصالحهم عندنا أكثر بكثير من مصالحنا عندهم.. وترجع لمصر بالسلامة.
ونستكمل الثلاثاء المقبل.