الهدى.. الأضحية.. الإسراف فى الذبح
كان ﻷهل مكة قبل اﻹسلام سنن أبقى عليها اﻹسلام وأنزل بعضها منزلة التنزيل، منها الحج إلى بيت الله الحرام والطواف حول البيت العتيق، والسعى بين الصفا والمروة، وكذلك العمرة، والتلبية، ووقفة عرفات، والعتائر (جمع عتيرة) وهى «الهدى» ورمى الجمرات.
وكان العرب يطوفون عرايا حول البيت. ولقد حرّم عبدالمطلب، جد النبى، ذلك، فطافوا بملابسهم حتى إذا فرغوا من الطواف أحرقوها، فلا يصح أن تُدنس الملابس التى طافوا بها حول بيت الله. ولهذا كانوا يطوفون عرايا. والعرب كانوا يحجون إلى البيت العتيق ويطوفون بالكعبة سبعة أشواط مقبلين بالحجر الأسعد «اﻷسود» ثم يستقبلون الصفا والمروة سبعة أشواط كالطواف، وكانا على درجة من القدسية واحدة، وكذلك الوقوف بجبل عرفات يليه رمى الجمرات (الارتجام).
ولما نزلت الآية «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ»، كان الحج وفقاً لهذه الآية لا يتضمن الصفا والمروة، وكان ذلك من شعائر الحج قبل الإسلام، فسأل المسلمون النبى: «أنجد حرجاً فى السعى بين الصفا والمروة» فنزلت الآية «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهً شَاكِرٌ عَلِيمٌ». والهدى شريعة الله امتثالاً لأمره كما امتثل سيدنا إبراهيم.. «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ»، والهدى إلزام على الحاج الذى يؤدى العمرة ثم يحل إحرامه حتى موعد الحج يؤديه فعليه هدى، أما إذا أحرم الحاج بالعمرة والحج معاً فلا هدى عليه. أما اﻷضحية فهى ما نراه تقرباً لله لكنها ليست هدياً. واﻷضحية سُنة مؤكدة لكنها غير واجبة إلا عند بعض فقهاء الحنفية، واستندوا لحديث النبى «يا أيها الناس إن على أهل كل بيت أضحية أو عتيرة»، وهى ليست وجوبية كما قال ابن حجر واستدل على ذلك بأن أبوبكر وعمر كانا لا يضحيان مخافة أن يظن الناس أنها واجبة.
مشكلتنا مع الفقهاء أنهم يغلقون علينا اﻷبواب التى تربطنا بالحضارة، فما كان مكروهاً أصبح حراماً، وما كان حلالاً أصبح مكروهاً تمهيداً لتحريمه، وما كان مُستحباً أصبح واجباً وما كان تطوعاً أصبح جبراً، وما كان نافلة أصبح فرضاً، حتى ضاقت علينا مساحة المُباح، وأصبح ما نؤديه بالرضا يؤخذ قسراً وما نؤديه تطوعاً أصبح جبراً، وضاقت مساحة الفضل والمعروف بين الناس، وحاصروا العقل بين نصوص قطعية تستوجب الامتثال وأحاديث ظنية موضوعة أنزلوها منزل التنزيل بل تنسخه أحياناً.
وأتساءل: لماذا امتثل أحد السلفية حين جرجره عقله إلى ذبح اﻷضحية فى أحد شوارع سويسرا وتم إلقاء القبض عليه وقُدم للمحاكمة ولم يجربها مرة أخرى.
أنا لست ضد اﻷضحية، أنا ضد ألا نستر قسوتنا وعنفنا عن أطفالنا، ألا نستر ضعفنا حين نستقوى على حيوان مهدود جائع خائف ونسرف فى قتله، كيف ندعو الله أن يستر عيوبنا ونفضحها أمام بهائمنا وذبائحنا، أليس فى الذبح ستر؟ كيف نؤذى ما نقدمه قرباناً لله؟ هكذا قال الرسول حين أخذ أحد الصحابة فرخين صغيرين من أمهما فعادت تصرخ وترفرف فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردوا إليها ولدها».
كم روعنا بهائمنا سيدى يا رسول الله، ماتت قبل أن تُذبح، مئات المرات فى نقلها، وانتظارها فى طابور الذبح ترى وتتألم، ويسلخونها لحظة الاحتضار.