الحسبة فى الشريعة الإسلامية هى إزالة المنكر حين ظهوره، والأمر بالمعروف حين تركه، والرسول مارس الحسبة فقد مر بالأسواق لتفقدها وقال: «من غشنا فليس منا»، ناهياً عن الغش فى البيع، ومارسها بعده الخلفاء الراشدون، عمر بن الخطاب استخدم الدرة لتقويم المعوج، وكان يمارس الحسبة على نفسه، امرأة عجوز تشكوه لنفسه ولا تعلم أنه الخليفة، فيشترى مظلمتها بخمسة وعشرين درهماً، ويكتب كتاباً ويوصى ابنه بوضعه فى كفنه: «هذا ما اشتراه عمر بن الخطاب مظلمة فلانة بنت فلان» حتى يعرضها لو سألت ربها يوم القيامة حقها منه.
وتطورت وظيفة المحتسب حتى وصل إلى تعيين محتسب عام واختار لنفسه معاونين فى الأقطار وكانت مهمته دعوة الناس للصلاة وضبط الأسواق والموازين ومنع الغش والأمر بالمعروف، وتطورت وظيفته فى القرنين الثامن والتاسع عشر إلى مصادرة الرأى والفكر والإبداع وأصبح غطاء لديكتاتورية الحكام وتصفية الحسابات لمن لا يستطيع الحاكم أن يطوله بالقانون طاله بالحسبة، حتى اختفت الوظيفة وحل محلها إدارات الدولة المختلفة، ومارس مهمتها العامة والخاصة دون ضابط، على أنهم أصحاب الولاية، فكان من حق الشخص العادى أن يُحرك دعوى الحسبة ضد كاتب أو شاعر أو باحث أو مفكر، وهو لا يعلم الفرق بين البحث العلمى والرأى الشخصى، أو الفرق بين نقد التراث والمنقول والموروث الثقافى والفلكلورى وبين صحيح الدين وثوابته، وبين الرمز والمجاز ومعانى العامة وهذا ما دفع بعض المهاوويس من قتل فرج فودة، والتفريق بين د. حامد نصر أبوزيد وزوجته، ومحاولة قتل نجيب محفوظ، ولم يقرأ أحد منهم سطراً واحداً مما كتبوه، وقديماً صلبوا الحلاج تحت دعاوى الاجتراء على الذات الإلهية، وهو لم ير تاجاً سوى تاج الله، وحين باع صلاته لله حاسبوه، وحين قال: «أنا الله»، صلبوه وكان المسكين يقصد القرب من الله، وهى لغة الصوفية وليست لغة العامة، كلها إعطاء الفرد حق الاحتساب والمحاسبة وتعديل المنكر بيده إن كان مستطاعاً، حتى أفاقت الدولة على مهزلة تحريك دعاوى الحسبة والولاية فيها «الحق»، وأصبح صاحب الولاية فى هذا الشأن هى النيابة العامة.
وازدراء الأديان لغة مطاطة، لم يعرفها المشرع، ولم يحدد صاحب الحق فى إقامة الدعوى، وازدراء الأديان هى نفسها دعوى الحسبة من العامة، وأصحاب النفوذ والهوى ضد الفكر والإبداع.
أحد الأفاضل عرّف ازدراء الأديان، هو من ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، ويرى أن القرآنيين والشيعة والبهائيين متهمون بازدراء الأديان، لأن لهم موقفاً يميل عن الدين، ولا أدرى صلة لتعريفه بالأديان الأخرى فليس فى اليهودية أو المسيحية معلوم من الدين بالضرورة، اللهم إلا إذا كان يرى أن المقصود من ازدراء الأديان هو الدين الإسلامى وأهل السنة خاصة.
وبعض الأفاضل عرّف الازدراء: «تحقير المعتقدات والرموز الدينية وإهانتها والتقليل من شأنها»، فما رأيه فى فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «الكفار لا يملكون أموالهم ملكية شرعية، غير المسلم تجب عداوته وإن أحسن إليك، وجوب إهانة غير المسلم ومقدساته، اليهود والنصارى ملعونون هم ودينهم، وجوب إذلال أهل الذمة، تخويف غير المسلم مصلحة»، هل يُعتبر رأى شيخ الإسلام، نبراس السلفية ازدراءً للأديان.
لذلك لا بد من فض هذا التشابك بين الجهل والإبداع وتحديد الفاصل بين ما يُكتب للعامة والخاصة ومطلوب:
1 - تعريف ازدراء الأديان تعريفاً قاطعاً
2 - صاحب الحق فى تحريك الدعوى «هو صاحب الولاية» الأزهر الشريف، والكنيسة.
3 - تحديد العقوبة، على أن تبدأ العقوبة بالتنبيه والتحذير، وأن يُراعى المبدعون والمفكرون وأصحاب البحث العلمى عدم المساس بالقواعد الحاكمة للأديان، وتجنب الخوض فى المسائل الخلافية بينها.