سألنى عامل المقهى الشعبى سؤالاً مباشراً: «يا باشا هوه الدستور ده- لا مؤاخذة- يعنى فايدته إيه؟».
وحينما بدأت فى إعداد إجابتى «المعلّبة» التقليدية التى تقول إن الشعب مصدر السلطات، وإن السلطات هى التشريعية والتنفيذية والقضائية وإن «مونتسكيو» أكد على ضرورة الفصل بينها، نظرت إلى وجه الأخ خميس القهوجى وتفحصته جيداً وتأكدت أن حامل الشيشة والمعسل والحلبة الحصى لن يتمكن من التفاعل والتفهم لأفكار الزميل «مونتسكيو».
لذلك كله حاولت لأول مرة فى حياتى أن أبسّط الفهم دون محاولة التنظير الاستعراضى للمعلومات التى تعشقها النخبة المثقفة فى مصر.
قلت للأخ خميس القهوجى: «بص.. يا أبوجمعة الدستور ده زى عقد بين اثنين».
عاد وسألنى: ومين الاثنين دول اللى فى الدستور؟.
ترددت قليلاً وقلت وأجرى على الله: «بين نظام الحكم والناس، يعنى بينظم العلاقة بينهم علشان كل واحد ياخد حقه بالعدل».
ابتسم خميس: «تمام يا باشا ما دام بالعدل يبقى تمام».
عدت بعد أن ألهمنى الله إضافة جديدة: «وما تنساش يا أبوجمعة أن صفة «العدل» دى من أسماء الله الحسنى».
تمتم خميس مؤمّناً على كلامى قائلاً: «سبحان الله» وبعد أن تركنى خميس ظللت أفكر فى السؤال الذى طرحه علىّ ذلك الرجل البسيط، ومدى الصعوبة التى واجهتها فى شرح وتبسيط معنى الدستور لرجل الشارع فى مصر.
ولا يمكن أن نتهم رجل الشارع بأنه يجرى ويلهث وراء احتياجاته اليومية الاستهلاكية مهملاً مناقشة مسودة الدستور التى يتم تحضيرها الآن!
الإنسان البسيط الكادح، يريد ماءً نظيفاً منتظماً فى صنبور مياه منزله، وفاتورة كهرباء يستطيع دفعها، ورغيف خبز نظيفاً ومتوفراً، ووسيلة مواصلات رخيصة وآمنة، وعلاجاً لأسرته عند المرض، ومقعداً محترماً لابنته فى المدرسة دون حاجة لنزيف الدروس الخصوصية، وشارعاً آمناً من البلطجية، وتطهيراً دائماً للشوارع من القمامة.
إذا كان «الدستور» بكل تفاصيله وتعقيداته وفصوله وبنوده سوف ينظم علاقة ناجحة بين الحكم والشعب بحيث يؤدى فى النهاية إلى تأمين وتحقيق كل هذه الأمنيات، فيا أهلاً بالدستور الحبيب، أما إذا كان حبراً على ورق ومجموعة نصوص تتصارع عليها النخبة السياسية والمثقفة فلا معنى لكل هذه النقاشات.
مرة أخرى: «يعنى إيه دستور»؟