شاخت المنصورة وهرم جمالها، وتساقطت أوراق خريفها وتجلت عظامها، ورسم الزمن تجاعيده على صفحة وجهها النضر، وترهل لحمها وشحمها وخاصمت تضاريسه جسدها المُنهك، فخرج فى تحدٍ طالباً الانفصام، وانتشر على شعرها المجدول المسافر عبر الزمن أوحال وأدران عجزت عن تمشيطه وتسريحه بأسنان من حديد.
تَقوس ظهر المسكينة فى عز شبابها، ومال بصرها وانحنى تحت أقدامها، وشحب وجهها واكتسته صفرة الموت، وغطت عينيها سحابة سوداء حجبت عنها البصر والبصيرة.
المنصورة جميلتى وطفولتى تتوشح القبح رداءً، المنصورة عشقى وشبابى تبكى جمالها أنهاراً، يوماً ما كان يتمايل فى رشاقة وفى نغم وطرب وينشر ابتسامته على وجوه الزائرين صغاراً وكباراً ويجوب عطرها وعبقها الندى قلوب العشاق.
المنصورة اقتسمها وورثها السادة اللواءات الأشاوس، وأصبحت أوديتنا نصيبهم من الراحة، ومن تعب الطريق فى العجز، والنقاهة من المرض ومكافأة نهاية الخدمة، والاطمئنان منها على الأهل والأحباب والأحفاد، وزيارة أهل الحظوة والنفوذ للتسامر والعشاء حامدين شاكرين أصحاب الفضل على الفضل ولا عزاء للرعاع من القوم والبسطاء وأصحاب الحاجات.
تلك يا سادة «قسمة ضيزى»، ربح لمن اشترى وخسارة لمن باع، فنحن نبيع للسادة المحافظين أحلامنا وراحتنا وسلامتنا مقابل راحتهم وسلامتهم.
يقولون فى تفسير «قسمة ضيزى» قسمة جائرة على العدل، خارجة على الصواب، مائلة عن الحق، أرجوهم أن يُسقطوا تفسيرهم على المنصورة سيجدون الجور عن حق زمانهم عدلاً، والخروج على صواب زمانهم اعتدالاً، والميل عن حق زمانهم إنصافاً.
حين تتجول فى شوارع مدينتنا مروراً بالسكة الجديدة ابتسامة المنصورة فيما مضى، يحتله الباعة الجائلون فى تحدٍ سافر للقانون وللجمال، وحين تمر على ميدان أم كلثوم ستراها تبكى أطلالاً كانت شاهدة على حب الدنيا، هجرها الأحبة، وظلمها الأحفاد، وإذا شاء حظك العثر الخروج من المنصورة من مدخل جديلة أو مدخل أورنجيل اصطحب معك غداءك وعشاءك وبعضاً من ملابسك الرثة، فقد تضطر للمبيت فى العراء واصطحب معك بلطجياً يفسح لك الطريق، فلن نجد جندياً واحداً يفصل بين أجساد البشر وعجلات الكارو ونهيق الحمير والخيول الكل يا ولداه سائر إلى طريق الآلام.
وإذا وفقك الله فى عبورك واتجهت ناحية القاهرة، فلا تنسَ أن تكتب وصيتك وإذا وفقك الله وخرجت سالماً من تحويلة كوبرى ميت غمر، ونجاك الله من عجلات سائق متهور ضاق به الطريق، أو رفس حمار ضاق من سياط أصحابه، فاحمد ربك على سلامتك واسحب وصيتك. وإذا كنت متجهاً بلطف الله إلى مدينة جمصة من أعلى كوبرى الجامعة ونجاك الله من زحامه فادعه أن يُكمل جميله عليك وينجيك من مطبات الطريق، ودمامله وانبعاجاته المنتشرة على صفحتة تعلن فى تحدٍ واضح عن فساد الذمم وخراب الضمير.
قولوا للسيد المحافظ.. يراجع عقود المقاولين، واستلام المهندسين، والمحاضر النهائية وخطابات ضمان المقاولين هل استلموها بعد الوفاء بالتزاماتهم؟ وأن يحيل الأمر إلى النيابة فى طريق أهدرت فيه أموال الرعية ويراجع عقد مقاول كوبرى ميت غمر ومسئولية المقاول عن رصف وتجهيز وتمهيد الطريق البديل لنضمن بها حياة الغلابة والمسافرين والمقيمين من البشر.
السيد رئيس الوزراء.. جرب فينا قسمة أخرى، خذ لواءنا واتركنا بلا لواء فأمرهما سواء، هذا حال مدننا كان الله فى عون قرانا ونجوعنا ومدننا الصغيرة من ظلم وفشل رؤساء ومجالس المدن والقرى من المطرية والمنزلة والكردى ومنية النصر ودكرنس وهلم جراً، نرجو الله أن يخلصنا منهم أو يخلصهم منا.
ليس لأهالى الدقهلية سوى الدعاء أن يفك الله أسرنا من هذا اللواء، خلصنا من محافظك أو خلصه منا، أو ندعو الله صباح مساء أن يفك الله أسرنا منك ومنه.