فى أحد الأكمنة التى عند مدخل مدينة بورسعيد، استوقفت الشرطة السيارة البيجو الأجرة التى يستقلها سبعة أفراد، وتوجه أمين الشرطة مباشرة للشاب الذى يجلس فى المقعد الخلفى وطالبه بالنزول، سار معه إلى الضابط الجالس هناك، ثم عاد الشاب طالباً من الفتاة التى تجلس بجانبه بطاقة رقمها القومى، عندما رجع الشاب للسيارة سألناه عما حدث فقال: سألنى عن صلتنا ببعضنا فأجبته أنها أختى. أراد الضابط أن يستوثق من كلام المواطن فأرسله للمواطنة يطلب بطاقتها هى أيضاً. حكى الركاب وقائع أخرى.
قرأنا وسمعنا عن مثل تلك الواقعة أخيراً فى الجرائد وفى الفضائيات الخاصة، كما قرأنا عن الكمين الذى فتش سيارة خاصة فوجد بها زجاجتين من الخمر فصادرهما وكسرهما، وتساءل الأستاذ محمود سعد الذى تحدث عن واقعة مماثلة تعرّض فيها خمسة من الشرطة لفتى وفتاة يقفان على كوبرى فى الزمالك مستنكراً: يعنى انتوا غاويين عكننة على الناس؟.
إن لدى الشرطة مهام أهم وأكبر وأخطر كثيراً من مطاردة الأحباب على الكورنيش وفوق الكبارى، فلم تفعل ذلك وليس من دورها ذلك التعدى على حريات الأفراد وحركاتهم طالما التزموا القانون؟ وأتصور أن جماعة مرسى وأشباهه إن كانت الشرطة تسعى لمنافسته أو منافسة داعش فى ذلك كانوا سيؤدون هذه المهام السخيفة بإخلاص أكبر وأصدق، ليس لأنهم أكثر خلقاً بل لأنهم أكثر تسلطاً، ولعلنا نذكر حكاية طالب الهندسة الذى قتله السلفيون فى حديقة بالسويس لمجرد أنه كان مع خطيبته واعترض على التدخل فى حريته.
الحق أن لا هؤلاء ولا أولئك هبطوا علينا من المدينة الفاضلة ولا هم يحملون ختم أخلاقها الهلامى، وليست الأخلاق ولا الدين دافعهم لمثل هذه التدخلات المقيتة التى تهدف أساساً لتأكيد السلطة.
السلطة هى تأكيد قدرة الحاكمين على منع أفراد المجتمع من فعل معين، أو دفعهم للتصرف بطريقة أخرى غير تلك التى يفكرون بها أو يتحركون ويعملون بها.
المراد أن يشعر ويتيقن هذا الخاضع وذلك المشاهد الذى يفكر وكل مواطن هنا، أن هذه سلطة تفرض حتى ما ليس معقولاً!
هذا العمل البسيط الذى لا يلقى مقاومة يشغل رقعة عامة على امتداد الوطن، وذكرنا أمثلة تمت فى بورسعيد والزمالك والإسكندرية والإسماعيلية، مما يدل على أنه توجه فى الوزارة وفى العمل مقصود وله هدف محدد هو: السيطرة على الشارع بحجة الأخلاق، ثم إنها تتم على القطاع الأعرض من المجتمع وهم الشباب لإلجامهم، وهذا العمل الذى يبدو تافهاً لا يليق بشرطة تواجه مسلحين يعلن أن السلطة هنا خلفكم وتراقبكم وتحدد وتحجم حرياتكم وقتما ترى وكما ترى، وظاهر المسألة أننا أخلاقيون ندافع عن الأخلاق ونبذل جهداً ووقتاً من أجلها وأجلكم ولسنا غافلين عنها وعنكم رغم مهامنا الجسيمة، سلطتنا هكذا كاملة فى كل مكان وعلى كل إنسان.
لكن الواقع أنها ليست سلطة فى كل مكان ولا على كل إنسان، كما أن الدافع ليس الأخلاق، وإلا كانوا قد توجهوا للأماكن الراقية فى الكافتيريات والفنادق والكازينوهات، لا تذهب هناك أبداً لتنبئنا بالأخبار، تعرف قطعاً أن هؤلاء لن يقبلوا فعلها ولن يجيبوا سؤالها وسوف يحرجونها ويهزون سلطتها، فقط تذهب هذه السلطة للمقاهى المتواضعة لتطلب إغلاقها فى وقت تحدده وبلا أسباب واضحة، إنها تنتقى كبش الفداء لتؤكد هدفها.. شباب مفرد فقير فى لحظة ضعف (عاطفى).
وللأسف تنبئ هذه الأفعال عن سعى لن ينفع للديمقراطية واتجاه للقمع وعدم احترام للدستور أو المواطنين وخوف من حرياتهم.