العلم رمز الوطن، واحترامه دليل على وطنية الفرد، لكن الاحترام «إحساس» وليس «تهديداً»، فعندما يربى الإنسان على احترام رمز، تجد أن المسألة لا تحتاج من المسئول إلى فرض عقوبات هدفها تحقيق الاحترام بـ«الإرعاب» وليس بـ«الإحساس». أقول ذلك بمناسبة النشرة التى أصدرتها مديرية التربية والتعليم بمحافظة الدقهلية على مدارس المحافظة تحذر فيها التلاميذ من «إهانة علم مصر، أو الحركة أثناء تحيته بطابور الصباح، أو المرور من أمامه»، مشيرة إلى أن من يخالف ذلك سيعرّض نفسه إلى السجن سنة وغرامة 30 ألف جنيه.
أظن أن عقوبة السجن ليس فيها مشكلة بالنسبة لقطاع لا بأس به من المصريين، العقوبة الحقيقية ترتبط بالغرامة التى تصل إلى 30 ألف جنيه مرة واحدة، يمكن أن يورط فيها طفل أو مراهق أهله إذا تحرك «هارشاً» رأسه، أو نافضاً قدمه أثناء تحية العلم. عموماً القاعدة تقول «الدفع أو الحبس»، وعلى من يعجز عن دفع الغرامة حال الوقوع فى الجريمة أن «يقضِّيها سجن»، لكن السؤال لو فرضنا أن هذه العقوبة طُبقت على بعض التلاميذ، هل معنى ذلك أن البقية سوف تتعلم احترام علم البلاد، وهو رمز جدير بالاحترام ولا شك؟!
احترام المواطن -صغيراً أو كبيراً- لعلم بلاده يصبح تحصيل حاصل عندما يترسخ لديه إحساس بأنه «يعيش فى بلاده»، فيشعر أن الأرض أرضه، وأن له نصيباً معلوماً فى خيرها، عندما يحس أن الوطن الذى يعيش فيه يعطيه ويمنحه، ويدافع عن كرامته وحقوقه كإنسان، هذه المشاعر والأحاسيس تلخصها كلمة واحدة هى «السكن». الوطن هو السكن، وعندما يتحقق هذا المفهوم فى نفس الفرد يكون من الطبيعى أن يحترم كافة رموز بلده، ومن بينها النشيد الوطنى والعلم. ليس معنى ذلك بالطبع ألا يحترم الإنسان هذه الرموز حين يقسو عليه الوطن. فالوطن ملك شعبه، وليس عزبة لمن يحكمه. فمهما عزّت الحياة فى وطن على أهله، فهو فى النهاية لأهله. لكن يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن الأطفال والمراهقين لا يستوعبون المعانى الراسخة فى عقول ووجدان الكبار، لذلك فالواجب تعليمهم وتنشئتهم وليس معاقبتهم وأهليهم بالطريقة التى تريدها مديرية التربية والتعليم. كيف تطلب من الصغير أن يفهم ما يفهمه الكبار، وهو يتعلم فى مدرسة حكومية لا يجد فيها مقعداً يجلس عليه فيضطر إلى «التربيع» على الأرض وسط عشرات التلاميذ الذين تم حشرهم فى فصل يشبه «علبة السردين»؟ يبحث عن معلم يعلمه ويرقيه فيجد من يقف أمامه داخل الفصل مثقلاً بالهموم والمشكلات لا يستطيع أن يجمع شتات رأسه من فرط الزحام الذى يعمل فيه، هذا الصغير الذى لا يجد فى المدرسة الخدمات المناسبة التى تعلمه أن وطنه ينظر إليه كآدمى من الصعب أن تعلمه بسهولة حكمة أن يحترم علم بلاده ونشيدها القومى. أعرف أن كم المشكلات التى نتعامل معها داخل المدارس كثيرة ومتنوعة، وقد كان من الممكن أن أستوعب حرص مديريات التربية والتعليم على أن ينشأ الصغار على احترام رموز بلادهم، من خلال إزعاجهم بهذه العقوبات، لكننى أخشى أن يكون هدف «كبار المديرية» من هذا «التعميم» تدليك من هم أكبر منهم وإرضاءهم.. وهو أمر غير جدير بالاحترام بالمرة!