العملية التى أدت إلى استشهاد 28 وإصابة 25 من جنود القوات المسلحة بكمين «كرم القواديس» بالشيخ «زويد» عملية نوعية بامتياز، يدلل على ذلك أكثر من مؤشر، من بينها: أنها تمت بخطة محكمة اعتمدت على عدة تفجيرات متعاقبة، ثم مداهمة للجنود أثناء إخلاء الكمين بالقذائف الصاروخية حتى يتمكن الإرهابيون من النيل من أكبر عدد منهم، وكان من بين المصابين فى العملية قائد الكتيبة 101 كما تردد، والهجمة موجهة بشكل أساسى إلى «الجيش المصرى»، وليس الشرطة كما اعتادت هذه الجماعات، وكأنها تريد أن تنقل رسالة محددة إلى السلطة، والسلطة من جانبها بادرت إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الوطنى، مما يؤشر إلى أننا أمام حدث جلل، وفى حين كان أعضاء المجلس يستعدون للاجتماع هوجم كمين أمنى من جانب إرهابيين، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة جنود جدد!
كتبت أكثر من مرة منبهاً إلى وجود حالة من التردى فى الأداء الأمنى والعسكرى فى مواجهة الإرهاب، وأشرت إلى خطورة تسارع وتيرة العمليات الإرهابية بعد ما يقرب من عام ونصف من تفويض «السيسى» بمواجهة أى إرهاب محتمل (26/7/ 2013)، ولعلك تعلم أن هذه العملية وقعت بعد أربعة أيام من عملية سابقة استشهد فيها 6 جنود. عملية (24 أكتوبر) تكشف أننا أمام مجموعات قتالية منظمة تتمتع بالدرجة المطلوبة من الاحتراف ومجهزة بالأسلحة التى تمكنها من مواجهة قوات عسكرية أو أمنية. وهو أمر من الصعوبة ربطه بكوادر من جماعة الإخوان، فالفترة التى مضت منذ إسقاطهم عن سدة الحكم حتى الآن لا تكفى فى الأغلب لإعداد مجموعات بهذه القدرات، ربما كانت ممولة من جانب الجماعة أو تنظيمها الدولى، لكنها فى كل الأحوال مجموعات تم صناعتها خارج السياق المحلى، وأتاحت لها حالة التردى التى تصم الأداء العام فى البلاد التسرب بسهولة إلى مصر.
الكل ينظر بعينه الآن إلى سيناء، وربما كان من المجدى النظر إلى الجهة الأخرى من مصر، تلك الجهة التى تطل على ليبيا التى شهدت قبل ساعات من هذه العملية عدة أحداث ذات صلة بمصر، فقد كان من المزمع أن يقوم وزير الخارجية «سامح شكرى» بزيارة إلى ليبيا، ثم عدل عنها فى الجو لأسباب لوجستية وطار إلى الجزائر، انتشر بالتوازى مع ذلك حديث عن قيام متشددين بحرق السفارة المصرية فى طرابلس، وقبلها كان مفتى ليبيا يهدد ويتوعد مصر بمغبات عديدة سوف تقع، بسبب قيام القوات المصرية بقصف مواقع للمتشددين فى ليبيا، بالإضافة إلى إسناد القوات الليبية التى دخلت فى مواجهة منذ عدة أيام مع المتشددين. ربما كانت هناك صلة بين هذه الأحداث وما وقع فى سيناء يوم الجمعة الماضى.
نحن أمام مواجهة تتطلب قدرات عسكرية وقتالية خاصة، وكفاءة فى جمع المعلومات، وحنكة سياسية لأننا لا نستطيع أن نفر من حقيقة أننا أمام صراع سياسى له وجه عسكرى واضح. لم يعد أمام الرئيس سوى التحرك السريع، لأن ضغوط الوقت لن تسمح بأى تلكؤ، لقد طلب التفويض ففوضه الناس، وطلب التأييد فانتخبه الناس. «السيسى» الآن هو المسئول الأول، وعليه الحل كما وعد!