الحجاج والحلاج كلاهما قال «أنا الحق».. ظلم الأول الرعية، وظلم الآخر نفسه.. قَتَل المظلومُ الحجاجَ مسموماً، وقَتَل الأحبابُ الحلاجَ مصلوباً.
بالسم أو بالصلب يموت الظالم والمظلوم.
الحجاج قال لبكاء المظلومين المحبوسين فى أسره: «اخسأوا فيها ولا تكلمون» فأمات العدل فى السجون، وملأ رعيته خارجه البطون. قال الحلاج لمريديه وشيعته: «ما أتعس أن نلقى بعض الشر ببعض الشر، ونداوى إثماً بجريمة»، بكاه رفاقه وتركوه مصلوباً وانصرفوا، قالوا: أحببناه وقتلناه، كان يروينا من ماء الكلمات، جوعى يُطعمنا من حكمته، مَن صلبه حقق لله مشيئته وللحلاج.
لم يحكمنا الحكماء أو الفقهاء، بل يحكمنا الدهاة الطغاة، السائرون وسط أشواكنا باقتدار، هذا ابن أبى طالب يحسبها بالمصلحة والمفسدة وابن أبى سفيان يحسبها بالاقتدار. يسير على بن أبى طالب لحرب معاوية رافض بيعته قبل تسليمه قتلة عثمان، رافعاً قميص من خذله وتركه للموت جائعاً عطشان، ابن أبى طالب يرى فى بيعة معاوية أمراً يسبق العدل والقصاص، ومعاوية وجدها علةً للخروج عن بيعته والانفصال، هذا أدار الأمر برؤية الفقيه، وذاك أدار الأمر بالاقتدار، لو كان علياً أدار الأمر بين الاثنين معاً، لما وقعت الخلافة فى حجر بنى أمية، ولما قُتل الحسن والحسين، حتى لو قرأ علىُ الغيب لم يكن يُغير فى قراره وفتواه شيئاً. هؤلاء هم الفقهاء، هذا فقيه وذاك داهية، يكسبها الفقهاء والعامة ولا يحكمون، ويحكمنا الدهاة والطغاة.
السيدان «ناقر ونقير»، تعاليا نحتكم لأول من يطرق بابنا، قد يفرد رداءه نقتسم الأحمال معاً، ونُعيد ما هدَمه الحمقى والجهلاء، أو يطرق بابنا من يأتى بالسيف نقتسم المولود ونبكى بقية العمر ونعيش كالغرباء. أو يُمسكنا سيفين لقتالِ ونزال، يتصارع منا النصف على الليل والنصف الآخر يتصارع لنهار.
لماذا لا نقتسم النصفين معاً؟ ونرى بعين واحدة ما كنا نراه بالعينين، أو يسحبنا المارة كالعميان.
يا سادة.. القضاة اثنان: أحدهما يحكم وعينه على المظلوم، فيصيب المظلوم الحق، والثانى يُحكم وعينه على الظالم، فيصيب الظالم رحمته. إذا سبقت الرحمة عدل القاضى ضاعت حقوق المظلومين، وإذا سبق العدل رحمة القاضى نقصت أعداد التائبين.
الأول.. كسبنا المظلوم وخسرنا الظالم. والثانى.. كسبنا الظالم وخسرنا المظلوم.. وخسرنا نحن الواحد منهم فى الأمرين.
يا جلاد.. العمدة فى شلشلمون حين أعطى العصا لخفيره، لم يكن يقصد الاحتفاظ بالحكمة لنفسه، كما تقول، بل خاف من العقاب، وأرجع الأمر إلى غباء من استقبل الأمر من الخفراء. يموت من يموت بسلطانه وسيفه وهو الحكيم الورع. ليس الحكام حَسَنى النيه ولا أنت.
يا كردوسى.. خُص شلشلمون، أصبح برجاً ومولاً تجارياً يبيع ويشترى ويتسكع فيه العاطلون وبقية الشعب تحت الكبارى، وعشش الترجمان، ويتمنى أن «تقلبه» فهى ليست سبة عليه بل سبة علينا، سيكون سعيداً إذا «قلبته»، المرأة تتمنى الموت حين الولادة وتكررها. ليست الدهماء حسنة النية ولا أنت.
يا جلاد.. أنت حكيم النبلاء، قتلة «سنمار» جزاء علمه وحكمته، يا كردوسى.. أنت فقيه العامة والدهماء «قتلة» أدهم الشرقاوى جزاءَ رحمته ونُبل مقصده.
أبشركما بمصير العامة والدهماء والنبلاء.