بنظرة إلى المناظرة بين أوباما ورومنى تحس أنهما هما صاحبا المرجعية الإسلامية وليس نحن، ولا أدرى ما قيمة المرجعية الإسلامية حينما لا تسرى على تصرفات أصحابها فتبرز مصداقية فى الكلام، ووفاء بالعهود، وأدباً فى الاختلاف!
لقد تبارى أوباما ورومنى على الصدق مع الناخبين، والتركيز على مصالحهم، لا على دغدغة مشاعرهم، أو تشويه كل منهما للآخر، وفى المقابل تبارى الإخوان فى تشويه مخالفهم، والتنصل من وعودهم، والمخالفة لمبدأ رئيسى من مبادئ الشريعة، وهو: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»، فقد استخفوا بتعهداتهم للآخرين بدعوى المتغيرات، واستسهلوا الهروب من التزاماتهم المحددة متعللين بالظروف المستجدة، واسترخصوا أدوات الهروب من الوعود بعبارات محتملة، وكلمات فضفاضة.
إن الوهم الحقيقى أن يظن الإخوان أن الانتصار هو قوة الحشد، وامتلاء المؤتمرات فى مواجهة خصومهم السياسيين، إن هذا انتصار وهمى، والانتصار الحقيقى أن يبرز الإسلاميون بتصرفاتهم أخلاق النبوة فى الصدق والوفاء والحيادية وتقديم الانتماء للدين على الانتماء للتنظيم، حين يحس المواطن بهذه الأخلاق يكون الإخوان قد انتصروا بالفعل.
كنت أتوقع من مرسى مع ما فى خطابه من إيجابيات كثيرة أن يعتذر ويعترف بتقصيره، ويلقى خطابا مستقبليا وليس تبريريا، واعتذاره هنا مقبول؛ لأنه أخلص وجاهد وحاول، وبالتالى يؤسس للمبدأ الإسلامى «الاعتذار فضيلة»، فإذا به يؤكد أنه أوفى بوعوده كأنه يتحدث عن بلد آخر، ومن ورائه المطبلون فى الاستاد يصفقون بحرارة على كلام كل جملة فيه تمثل مخالفة واضحة وانتهاكا صريحا للمبدأ القرآنى «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» و«لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ»، آيتان من القرآن لم يكن بمقدور مرسى أن يستشهد بهما فى خطابه، ولا أن يذكِّر الناس بما فيهما من قيم إسلامية جامعة.
إن الفوضى والكذب وإخلاف الوعود والخداع فى الأداء السياسى ليست مقصورة على الإسلاميين، بل الليبراليون مثلهم وأكثر، لكن الفرق أن الإسلاميين يزعمون أن منهج الإسلام هو الذى يحكم تصرفاتهم وأداءهم السياسى؛ لذلك حين يصفق الإخوان بحرارة لمرسى وهو يرى أن مشكلات المرور حُل منها 60% بمجرد تسجيل آلاف المخالفات للسائرين عكس الاتجاه وليس ببناء الكبارى وإنشاء الطرق، وأن مشكلة الخبز حلت بنسبة 80%، فنحن بهذا نربى الناس على الخداع والمراوغة، وليس المصارحة والتخلق بأخلاق النبوة.
إن الإخوان لو قضوا تماما على مشكلات الناس كالبطالة والمرض والقمامة والفقر فلم يأتوا بجديد، فهذه أمور فعلها الملحد فى فرنسا وبريطانيا، لكن الإخوانى فضلا عن هذا جاء لتحقيق القيم والمبادئ والأخلاقيات، فما بالنا إذا لم تُحل مشكلات الناس أصلاً؟
إن الإسلام لم ينتشر لأن الممثلين له أزالوا القمامة، أو نظموا المرور، فهذه أشياء -كما قلت- فعلها الملحد، إنما ينتشر الإسلام، بالإضافة لهذا، بالأخلاق، وعلى رأسها خلق المصارحة والوفاء بالوعود، والمصداقية فى الحديث، والاعتذار عند التقصير، إن السؤال المهم: هل قدم مرسى وإخوانه على مدى مائة يوم ما يقول بعده المواطن: الله الله على أخلاقيات الإخوان، الله الله على صدقهم ومصارحتهم فى مخاطبة المواطن بلا مراوغة ولا تموية؟ ربما هذا الكلام يقال للأسف بعد مناظرة أوباما ورومنى الكافرين وليس بعد خطاب مرسى بالاستاد.
لقد دغدغ الرئيس مشاعر الناس بالإغراق فى الرد على شبهات هو منها برىء بالفعل، لكن تبقى الشبهة التى لم يُجِب عليها: ما الأخلاق النبوية التى رآها الناس من الإخوان طوال المائة يوم الماضية، إن على مستوى خلق المصارحة أو الصدق أو الوفاء بالعهد؟ أليس هذه تعهداتهم بجعل أخلاق الإسلام مرجعية لهم؟