كلما تابعت خلافاً بين قيادات الجماعات التكفيرية المنتشرة كالسرطان فى الجسد العربى، اقشعر بدنى، وانتابتنى حالة من الفزع كلما تصورت -لا قدر الله- أن مؤامرات المركز الرأسمالى العالمى ستنجح فى تقوية شوكة هذه الجماعات. وحتى نقف على هول المصير الذى ينتظرنا فى ظل هؤلاء الشواذ والمرضى، يكفى أن نتابع نتائج رحلة شخص يُدعى «صلاح الدين الشيشانى»، تمكن من الوصول إلى منطقة «الرقة» فى الشام، لعقد لقاء بين قيادات 3 جماعات تكفيرية تتقاسم المشهد الدموى الرهيب فى سوريا، هى: جبهة النصرة، والجبهة الإسلامية، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبعد أيام من محاولات مضنية لعقد هدنة بين «النصرة» والجبهة الإسلامية من ناحية، و«داعش» من ناحية أخرى، أعلن «صلاح الدين» أن التفاوض فشل حول الهدنة، لسبب واحد فقط، هو أن تنظيم «داعش» يعتبر كل قيادات وأعضاء الجبهتين الأخريين كفَرة ومرتدين عن الإسلام. فى اليوم ذاته الذى نشرت المواقع التكفيرية فيه نتائج هذه الجولة، خرج شخص يدعى حسام الزرقاوى، ينتمى إلى تنظيم القاعدة، وشن هجوماً على تنظيم الدولة الإسلامية وقائده أبوبكر البغدادى، ووصفه بأنه يتحدث كما لو كان خليفة للمسلمين، متجاهلاً أن مبايعته لم تأتِ إلا من خلال المئات الذين يتبعون جماعته، وهو ما يناقض شروط البيعة ورأى أهل الحل والعقد فى الإسلام.. وخاطب حسام الزرقاوى قائد «داعش» بقوله: تنظيمكم بإذن الله إلى زوال!
والمفزع فى الأمر أننا هنا لسنا أمام أربعة تنظيمات تكفيرية فقط تتبادل الاتهامات بالكفر والارتداد عن الإسلام فيما بينها، ويستحل كل تنظيم منها قتل وذبح أعضاء التنظيمات الأخرى، ولكننا فى الحقيقة أمام عدد ضخم من هذه التنظيمات، كل منها يضم مئات المقاتلين المتوحشين الذين يؤمنون بأن كل من عداهم كافر ويستحق الذبح، والمثير أن أحدث الآليات العسكرية والبنادق الآلية والمضادات الأرضية والجوية تصل ببساطة وكثافة إلى كل جيش من جيوش هذه التنظيمات، وكلما ظهرت مجموعة منهم للإعلان عن تبنى عملية رأينا فى أيديهم مدافع وبنادق ورشاشات من أحدث ما تنتجه شركات السلاح الأمريكية والإسرائيلية.
والسؤال هنا: إذا كانت كل جماعة من هذه الجماعات المتوحشة تعتبر كل الجماعات الأخرى كافرة ومرتدة.. فمن نكون نحن بالنسبة لهم؟ ومن يكون المسيحى المصرى أو العراقى أو السورى أو اللبنانى؟ وإذا كان هؤلاء يحتفلون جهاراً بذبح ضحاياهم أمام آلات التصوير، فما الذى ينتظرنا إذا تمكن هذا الكابوس المخيف من الانتشار داخل الكتلة السكنية المكتظة فى مصر؟
إننا أمام حالة حرب غير مسبوقة فى تاريخ الوطن العربى كله، لا يقف فيها العدو فى مساحة جغرافية معروفة، ولا يتحرك طبقاً لمنطق محدد حتى تستطيع الدول والجيوش دراسة منطقه ومواجهته، ولكننا أمام جيوش جوالة لا تريد شيئاً غير إحداث فوضى عارمة فى المنطقة، واللافت أن الجهات التى تدير هذه التنظيمات حريصة أشد الحرص على عدم توحد جهود الجيوش التكفيرية، وحريصة على أن يظل الخلاف بينها مشتعلاً، لأنها لو توحدت ستنفصل حتماً عن «العقل» الذى يحركها، بل ربما تنقلب على هذا العقل كما انقلبت «القاعدة» و«طالبان» على أمريكا وإسرائيل، والمطلوب فقط أن تواصل هذه الجيوش الكافرة عملياتها العشوائية حتى تحدث أعمق حالة خراب فى الجسد العربى كله.
المعركة إذن طويلة وممتدة، ولا أتوقع أن تنطفئ نارها قريباً، بل المؤكد أنها ستمتد عامين كاملين على الأقل إذا ظلت الجيوش النظامية فى المنطقة عند درجة الاستعداد القصوى، ولهذا كله لا ينبغى أبداً أن نطالع يومياً هذا الكلام التافه عن أن المعركة مع الإرهاب على وشك الانتهاء؛ لأن هذا الكلام يؤدى إلى حالة من الإحباط الشديد كلما وقعت مصيبة جديدة.