إذا كانت مصر تحتاج لرئيس مدنى منتخب يلتزم بالآليات الديمقراطية ويمتلك الإرادة السياسية لتطهير أجهزة الدولة وإصلاح المنظومة الأمنية ومكافحة الفساد ويحدث التوازن المطلوب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فهى تتطلع أيضاً لرئيس يشجع المصريات والمصريين على النظر للمستقبل ويستعيد لهم الشعور بالانتماء الوطنى والتفاؤل.
مصر تحتاج لرئيس يقاوم استنفاد طاقاتنا الجماعية فى صراعات الماضى وقضاياه، نعم نريد مساءلة ومحاسبة المتورطين فى استبداد وفساد العقود الماضية، ونعم نريد كشف الحقيقة ومساءلة ومحاسبة المتورطين فى انتهاكات حقوق الإنسان منذ ١١ فبراير ٢٠١١، ونعم نريد السعى لاستعادة الأموال المصرية المهربة واسترداد الحق العام الذى أهدر فى بيع أراضى الدولة وبعض قرارات الخصخصة. لا شك لدىّ فى أن مصر تحتاج للتعامل بشفافية وبجراءة مع الماضى، وجزء أصيل من هذا هو المصالحة وإعادة بناء التوازن المجتمعى بعد كشف الحقيقة والمساءلة والمحاسبة. مصر تريد تجاوز الماضى سريعاً كى تقوى على تحديات الحاضر والمستقبل.
مصر تحتاج لرئيس يعمل، بتواضع، ومدرك لحقيقة أنه ليس الفاعل الوحيد، ليعيد للأغلبية الشعور الجارف بالانتماء الوطنى الذى تملكها بعد ثورة ٢٥ يناير وأوصلنا إلى عنان السماء، رفعنا رؤوسنا بعد الثورة، فى الداخل والخارج، ورغبنا فى المشاركة الفعالة فى بناء مصر الجديدة. إلا أن تعثر المرحلة الانتقالية والأخطاء العديدة التى ارتكبت وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان التى حدثت، كل هذا أضاع الكثير من إيجابية الشعور بالانتماء الوطنى وأعاد ظاهرة المواطن العازف عن الشأن العام إلى الواجهة، يستطيع الرئيس المنتخب أن يساعد فى تغيير هذا بتجديد الاعتزاز بمصريتنا وبتبنى مشروع وطنى للتنمية المستدامة (محو الأمية أو القضاء على الفقر أو التخلص من العشوائيات أو تطوير الصناعة أو غيرها). يستطيع الرئيس مقاومة العزوف بين المصريات والمصريين بإدراكه لأهمية مصر الإقليمية والعالمية وبتعبيره المتوازن عن مصلحتنا الوطنية دون مبالغة أو تفريط.
مصر تحتاج لرئيس يعيد شيئا من التفاؤل بالمستقبل والثقة فى مسار الأحداث القادمة ويحد من مخاوف الأغلبية وسيناريوهات نهاية التاريخ، مصر هجرها خلال الأشهر الماضية الكثير من مواطنيها المسيحيين وبعض المسلمين، مصر التى حلم بالعودة لها الكثير من المغتربين بعد الثورة عادت لتكون بيئة غير مشجعة على عودتهم. القلق على اليوم والغد سمة بارزة فى مجتمعنا ومتجاوزة لحواجز الغنى والفقر، ويتعين على الرئيس المنتخب الإسهام فى استعادة التفاؤل برسم ملامح مصر المستقبل التى يحلم بها ووضع الحلم سريعاً موضع التنفيذ بسياسات عامة وخطوات عملية. مصر تحتاج لإنجازات حقيقية على الأرض ومسارات تطور مستقبلية واضحة قدر الإمكان لإعادة التفاؤل لضميرنا الجماعى.
مصر (وبعد انتخابات المصريين بالخارج) تنتخب الآن رئيسها وتبحث به عن مواصفات اجتهدت فى تحديدها على مدار الأيام الماضية. نحن مخيرون وأمنيتى هى أن نختار جميعا بوعى وبعين على المصلحة الوطنية، أمنيتى أن نشارك بكثافة وأن نتذكر شهداء الثورة وشهداء ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء فلولاهم، ما كنا مع هذا اليوم، أمنيتى أن نكون مع عملية انتخابية نزيهة وشفافة، أمنيتى أن نتقبل نتائجها مهما كانت، طالما تثبتنا من نزاهتها وشفافيتها.